احتمالات تفجر الأوضاع في القدس

تاريخ الإضافة الأحد 19 كانون الأول 2021 - 2:19 م    عدد الزيارات 1508    التعليقات 0     القسم مقالات

        


عبد الله معروف

أستاذ جامعي في جامعة إسطنبول 29 مايو، وباحث ومتخصص في علوم القدس والمسجد الأقصى

لا يكاد شيء يشغل الرأي العام والإعلام الإسرائيلي في هذه الأيام أكثر من احتمالات التصعيد في القدس، وذلك بعد موجة العمليات الشعبية ضد جنود الاحتلال، التي اجتاحت مدينة القدس في الأيام الماضية في أعقاب تصاعد اعتداءات الاحتلال على الأحياء الفلسطينية .

 

فقد شهدت الأحياء الفلسطينية في القدس اعتداءات كحي الشيخ جراح وسلوان، وتصاعد الاقتحامات النوعية في المسجد الأقصى المبارك، حتى بات مسؤولو الاحتلال ومحللوه يعترفون بحقيقة واضحة: نحن أمام "موجة عنف" في القدس!

 

لا يصح ابتداءً أن يتم إرجاع بداية الأحداث إلى الهجوم الذي نفذه فادي أبو شخيدم بسلاحٍ بدائي من نوع (كارلو) قرب باب السلسلة، أحد أبواب المسجد الأقصى، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إذ إن هذا الحدث سبقته عدة أحداث متتالية قام فيها فلسطينيون بمهاجمة جنود الاحتلال وبعض المستوطنين في القدس باستخدام السلاح الأبيض، وتبعته موجة أخرى من عمليات الهجوم كان بعضها واضح المعالم كما حدث أمام باب العامود في 4 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وكان بعضها بادعاءات غير مؤكدة من سلطات الاحتلال كما في حالة حادثة الشيخ جراح يوم الأربعاء 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري، حين أقدمت قوات الاحتلال على اعتقال فتاةٍ فلسطينيةٍ قاصرة من داخل مدرسة الروضة الحديثة في حي الشيخ جراح، بادعاء قيامها بتنفيذ عملية طعن ضد مستوطنةٍ في المكان، إلا أن مقاطع الفيديو التي نُشرت في المكان بيّنت أن الطفلة الفلسطينية كانت تمشي في الشارع قرب المستوطنة ولم تظهر أي هجوم كما ادعت سلطات الاحتلال، ولا تزال هذه القضية غير واضحة المعالم حتى لحظة كتابة هذا المقال!

 

إن هذه الأحداث تبيّن بوضوح أن الأوضاع في القدس ليست هادئة ولا ساكنةً كما تحاول حكومة بينيت أن تدعي أمام الكاميرات، فاليمين المتطرف يعتبر أن من مصلحته جر المدينة المقدسة والمنطقة بالكامل إلى تصعيد شامل يمكن أن يفيده في العودة للحكم في "إسرائيل"، وفي الوقت نفسه نجد أن بينيت يحاول أن يظهر نفسه بمظهر الزعيم القوي الذي يحافظ على القدس باعتبارها العاصمة الموحدة لـ "إسرائيل".

 

فبالرغم من صدمة العالم بمشهد قتل الفلسطيني محمد شوكت سليمة أمام باب العامود بداية ديسمبر/كانون الأول الجاري، حين أقدمت جندية من قوات الاحتلال على إعدامه بدم بارد بعدة رصاصات أمام الكاميرات وفي وضح النهار بالرغم من كونه جريحاً غير قادر على الحركة وإمكانية اعتقاله دون قتله، إلا أن نفتالي بينيت صدم العالم في نفس اليوم حين خرج وأيد تصرف شرطة الاحتلال وأعلن موافقته على قتل الفلسطيني الذي لم يكن يشكل أي خطر على قوات الاحتلال في لحظة قتله.

 

هذا الأمر كما يبدو أثار شهية بعض أفراد شرطة الاحتلال للمزيد من عمليات القتل ضد الفلسطينيين ولو بادعاءات غير موثقة، بما يلقي الشك على كل عمليات الاعتقال والقتل التي تقوم بها قوات الاحتلال. فقد انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي فيديو الأسبوع الماضي يبيّن قيام فرديْن من شرطة الاحتلال بإيقاف سائق فلسطيني في منطقة النقب جنوبي البلاد بحجة استعماله الهاتف أثناء القيادة، ليحاول أحدهم دس مسدس في سيارة الشاب الفلسطيني، وكاد الأمر ينجح لولا وجود تسجيل وثّق الحادثة بشكل أحرج سلطات الاحتلال بشدة.

 

وكما يبدو فإن عمليات الاستفزاز اليمينية المدعومة من شرطة الاحتلال اتخذت منحىً تصاعدياً بشكل أكبر من سابقه في القدس، فقد وثق المقدسيون قيام مستوطن يوم الثلاثاء الماضي بالتهجم لفظياً على أحد الشباب المقدسيين، وحين لاحقه الفلسطيني فر المستوطن من المكان وأبلغ قوات شرطة الاحتلال الموجودة في الموقع أن الشاب مسلح بسكين ويريد طعنه، ليتبين أن البلاغ الذي قدمه المستوطن كاذب وأن الشاب غير مسلح، هذا إلى جانب مسيرة المستوطنين الأربعاء الماضي في حي الشيخ جراح، التي أقدم أفرادها على شتم النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والنداء بعبارات "الموت للعرب"، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع وتصدّي مجموعات من شبان الحي المقدسيين لهذه المسيرة، لتأتي قوات الاحتلال وتعمل على تفريق المقدسيين لحماية المستوطنين. إلى جانب تصريحات بعض المحللين الإسرائيليين المتطرفين على التلفزيون وعلى الهواء مباشرة، والتي نادى خلالها أحدهم من أتباع التيار اليميني المتشدد بوضوح إلى تكرار النكبة الفلسطينية في القدس، في اعترافٍ على الهواء بحدوث النكبة بما يخالف الادعاءات الإسرائيلية عن خروج الفلسطينيين طواعيةً عام 1948 وتركهم أراضيهم أو بيعها.

 

هذه الموجة المتصاعدة من الاستفزازات اليمينية ضد المقدسيين بالذات والفلسطينيين عموماً، تُبين أن اليمين الإسرائيلي معني بالتصعيد، وأن الحكومة الإسرائيلية ترى نفسها تسير في نفس اتجاه التصعيد الذي لن يفيدها بقدر ما سيضرها. فالأحداث تبين أن القدس الآن على صفيح ساخن جداً، وأن احتمالات انفجار الأوضاع في القدس باتت كبيرة جداً.

 

فالمقدسيون أصبحوا يرون اعتداءات المستوطنين تتزايد بشكل غير مسبوق وبحماية شرطة الاحتلال، وبات على المقدسي أن يسمع ويرى اعتداءاتٍ وتنكيلاً يومياً من قوات الاحتلال ومستوطنيه ضده شخصياً وضد مقدساته وممتلكاته دون أن يكون له الحق في الدفاع عن نفسه أو التعبير عن رفضه لهذه الممارسات، والأعتى من ذلك أن يجري هذا في ظل تواطؤ من بعض دول التطبيع العربي التي انحازت بالكامل للرواية الإسرائيلية في القدس بالذات. والقوانين الطبيعية والتاريخية والبشرية تشير كلها إلى حقيقةٍ واحدة: الضغط يولد الانفجار. ولذلك، فإننا في هذا الوقت قد تجاوزنا التساؤل عن إمكانية انفجار انتفاضةٍ عاتيةٍ تبدأ من القدس، وإنما نتساءل الآن عن الظروف والحيثيات والموعد المحتمل لانفجار هكذا انتفاضة. فالأمر بات محسوماً، ولكن الوقت هو ما لا يمكن توقعه من أحد.

 

 

المصدر: TRT عربي، 2021/12/16

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

المسجد الأقصى أمام تناظر هجري-عبري جديد

التالي

كيف يمكن أن نفهم ما يجري في القدس والضفة الغربية؟

مقالات متعلّقة

علي ابراهيم

عام من "الطوفان" وما شجن في النفس والعالم!

الثلاثاء 8 تشرين الأول 2024 - 10:54 م

لو سألنا في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أيَّ خبير إستراتيجي أو محلل سياسي، عن التغييرات الكبرى في العالم، والصراعات القادمة فيه، لتحدث عن ملفات عديدة، ابتداء بالصراع الروسي والأوكراني، وتحجيم ا… تتمة »

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »