تقرير حال القدس السنوي 2022
الثلاثاء 28 آذار 2023 - 12:57 م 3736 356 حال القدس السنوي |
لقراءة خبر إطلاق تقرير حال القدس السنوي 2022، أنقر هنا
لقراءة استعراض تقرير حال القدس السنوي 2022، أنقر هنا
مقدمة تقرير حال القدس السنوي 2022
حافظت المعركة على القدس وفي القدس على سخونتها طوال عام 2022، وبدا واضحًا أنَّ اشتداد هذه المعركة يُعزَى إلى كون الصراع على القدس يمثِّلُ الصراع على الهوية ورمز السيادة.
على صعيد جبهة الاحتلال الإسرائيلي، واصل الأخير تسجيل أرقام قياسية في مجالات التهويد المختلفة، مدفوعًا بقوة من اليمين المتطرف الذي تتموضع القدس في صميم معتقداته وأجنداته؛ فشكَّلت حكومتا نفتالي بينيت ويائير لابيد محضنًا ملائمًا، وبيئة محفزة للجماعات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التي لم تتوانَ عنْ توسيع رقعة نفوذها وتغلغلها في مفاصل كيان الاحتلال، واستغلال كل فرصة ممكنة لإيقاظ نزعات المستوطنين اليهود المرتبطة بمزاعمهم حول "المعبد"، و"الحق" اليهودي المزعوم في القدس. وتعزَّز موقع الأحزاب والجماعات الدينية واليمينية المتطرفة مع فوز بنيامين نتنياهو وتحالفه في انتخابات الكنيست وتشكيله حكومة من عتاة المتطرفين في أواخر عام 2022.
كان المسجد الأقصى أحد أبرز الميادين التي سعت المنظمات الإسرائيلية المتطرفة ومن خلفها الحكومات الإسرائيلية إلى تحقيق المكاسب فيها، فأُطلِقَتْ يدُ المستوطنين المتطرفين ليقتحموه، ويؤدوا الصلوات والشعائر العلنية والجماعية فيه، وبالمقابل قُيِّدَتُ يدُ المصلين والمرابطين والمرابطات وحراس الأقصى ودائرة الأوقاف الإسلامية المسؤولة حصرًا عن إدارة شؤونه. وكانت النتيجة قفزة قياسية في أعداد المستوطنين الذين اقتحموا المسجد الأقصى عام 2022، وصعودًا غير مسبوق لأجندة "التأسيس المعنوي للمعبد" التي تعني تشريع أبواب الأقصى لكلِّ أنواع الشعائر الدينية اليهودية كما كان يحصل في "المعبد" المزعوم، وارتفاعًا في قرارات الإبعاد عن المسجد الأقصى، والاعتقالات من داخل الأقصى وعلى أبوابه وفي محيطه وفي عموم القدس، ومزيدًا من سحب البساط من تحت دائرة الأوقاف الإسلامية ضمن مسار تجريدها من صلاحياتها ومسؤولياتها، وترسيخ الإحلال الديني المتكامل الأركان في المسجد الأقصى، وذلك عبر إحلال اليهود ورموزهم وشعائرهم مكان الوجود الإسلامي بكل مكوناته.
أمَّا القدس بكل مساحتها وقضاياها فكانت عرضة لآلة التهويد التي لم تتوقف، بل زادت شراستها في عام 2022، وذلك على صعد الاستيطان، والمصادرة، والهدم، والاستيلاء على منازل المقدسيين وعقاراتهم، والاعتقالات، واستهداف حياة المقدسيين وقطاعات حياتهم، وخاصة التعليم المهدد بإسقاطه في مستنقع المناهج الإسرائيلية و"المعونات" المشبوهة التي جعلت عددًا متزايدًا من مدارس القدس يقع رهينة وفريسة بين يدي الاحتلال وشروطه ومطامعه.
أمَّا جبهة الشعب الفلسطيني فقد كانت جديرة بمواصلة حمل "سيف القدس" الذي شهرته في أيار/مايو 2021 دفاعًا عن القدس والأقصى. فقد أثخنت في جنود الاحتلال ومستوطنيه ومصالحه دهسًا، وطعنًا، وإطلاق نار، وزجاجات حارقة، وعبوات ناسفة، ومواجهات مفتوحة لردِّ هجمات جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين. وسجَّلت هذه الجبهة أرقامًا قياسية في مختلف أنواع العمل المقاومة، وتحوَّلت القدس إلى ميدان كبير من المواجهات. وأهم ما في الفعل الشعبي المقاوم أن الضفة الغربية استعادت دورها الحيويّ بوصفها حاضنة القدس، فأبدعت مجموعات المقاومين في "عرين الأسود" و"كتيبة جنين" وغير ذلك من مجموعات استطاعت أن تؤلم الاحتلال، وتجمع الشعب الفلسطيني حولها، وتلهم الشباب الفلسطيني.
وفي ظلِّ اشتعال المواجهة المتحركة بين جبهتَي الاحتلال والشعب الفلسطيني، بقيت المواقف الرسمية العربية والإسلامية والدولية ثابتة عند سقف العجز، والصمت، وتوفير الغطاء للاحتلال، والانحياز له. فقد واصل قطار التطبيع بين بعض الحكومات العربية والإسلامية طريقه، وحاولت هذه الحكومات إلقاء حبل النجاة للاحتلال، وتأدية دور المنقذ في محطات التوتر، ولا سيما في شهر رمضان، وعُقدَت من أجل ذلك لقاءات كثيرة، أظهرت الاحتلالَ حريصًا على الأمن والاستقرار، ومحافظًا على "الوضع القائم" في المسجد الأقصى، وأظهرت الشعب الفلسطيني ومقاومته كأنهم "عصابات" مشاغبة وخارجة عن القانون. أما المواقف الدولية فلا جديد فيها، وإن كان لافتًا أن الإدارة الأمريكية الحالية تراوغ وتخادع السلطة الفلسطينية التي ما زالت تبني آمالًا على دور أمريكي يؤيد الحق الفلسطيني.
ويبدو أن عام 2023 سيشهد أحداثًا كبيرة على مستوى جبهة الاحتلال الداخلية المستنزفة بالخلافات الحادة بين الأحزاب والتيارات الإسرائيلية، وتصعيد الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني ومقدساته وأرضه وحقوقه، وعلى مستوى تطور أداء المقاومة الفلسطينية، وتعدد نماذج المجموعات المسلحة المقاوِمة، وتطوير فاعليتها، وهذا يتطلب الاستعداد لمواجهة حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية، والتصدي لسياساتها، وتوفير كل الدعم للشعب الفلسطيني ومقاومته.
هشام يعقوب
محرِّر التقرير ورئيس قسم الأبحاث والمعلومات
في مؤسسة القدس الدولية