الاحتلال والاعتداء على الدور الأردني في الأقصى

تاريخ الإضافة الإثنين 24 كانون الثاني 2022 - 6:02 م    عدد الزيارات 1773    التعليقات 0     القسم مقالات

        


براءة درزي

باحثة في مؤسسة القدس الدولية

شكّلت اتفاقية السلام الموقّعة في 1994/10/26 بين الأردن ودولة الاحتلال، المعروفة باتفاقية وادي عربة، بداية مرحلة من التطبيع لم تحز شرعيّة شعبيّة في الأردن الذي لم تنقذه الاتفاقية من التردّي الاقتصادي، ولم تبدّد مخاوفه حيال مستقبل تتهدّده أخطار وتحدّيات ليس مصدرها إلّا "إسرائيل"، الطرف الآخر في الاتفاقية، الذي يضع مصلحته فوق كلّ اعتبار.

 

كانت الاتفاقية مدخلاً للاحتلال لتهميش الدور الأردني في الأقصى بعدما جعلته رهنًا بقرار الاحتلال ومشيئته وما يفرضه من طريقة "احترام" هذا الدور في المفاوضات النهائية، إذ نصّت الفقرة الثانية من المادة التاسعة فيها على: "وبهذا الخصوص وبما يتماشى مع إعلان واشنطن، تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن"، وقد صاغ هذا البند، في إعلان واشنطن الموقع في 1994/7/25، رئيس حكومة الاحتلال إسحاق رابين، وفق الرئيس السابق للموساد إفرايم هليفي، وقد أكّد رابين أنّ الفقرة المتعلّقة بالقدس لا تشتمل على أيّ تنازل عن المقدّسات.

 

على أثر الاتفاقية، عمل الاحتلال بوضوح على تحديد أطر "احترام" الدور الأردني في الأقصى ضمن مسار قائم على تقويض هذا الدور وإنهائه ليتاح له فرض السيادة الإسرائيلية على المكان: انتهاكات تتوالى واعتداءات تتصاعد وتمعن في تهميش الدور الأردني من مصادرة صلاحية الترميم والإعمار، إلى الاعتداء على موظفي الأوقاف وتنفيذ الاعتقالات بحقّهم ومنعهم من أداء عملهم، وإبعادهم عن المسجد، والاستئثار بإدخال غير المسلمين إلى الأقصى بعدما كان دخولهم يمرّ عبر الأوقاف ناهيك عن التّحكم بدخول المسلمين إلى المسجد وفرض القيود العمريّة والجغرافية عليهم، بل وإصدار قرارات بإبعادهم عن الأقصى ومنعهم من الصلاة فيه بذريعة تشويشهم على المستوطنين.

 

في عام 2015، أصدر الاحتلال قرار حظر ما أسماه تنظيمي المرابطين والمرابطات، ومن بعده قرار عدّ الحركة الإسلاميّة– الجناح الشمالي حركة محظورة مع كل مؤسساتها الرافدة للرباط والمعنية بالدفاع عن الأقصى، وكلا القرارين كانا واضحين لجهة استهداف الوجود الإسلامي في المسجد، ومع ذلك لم يتحرّك الأردن لإحباطهما، على الرّغم من أنّه لا يخفى أثر إفراغ الأقصى من الوجود الإسلامي في إضعاف الدور الأردني نظرًا إلى أنّ هذا الدور يقوى بالموقف الشعبي ويتعزّز به نظرًا إلى ما يشكّله من عامل ضغط يجبر الأوقاف على تصحيح مسارها إذا ما ضغط عليها الاحتلال باتجاه ما يتعارض مع الدور المطلوب منها.

 

في عام 2017، تصدّر مشهد الاعتداء الإسرائيلي على الأقصى والدور الأردني تركيب البوابات الإلكترونية عند أبواب المسجد بذريعة العملية التي نفذها ثلاثة فلسطينيين من الداخل المحتلّ في 2017/7/14، فكانت تلك الذريعة محاولة لتثبيت السيادة الأمنيّة للاحتلال على الأقصى وروّاده، ما يعني مزيدًا من التّحكّم بالوجود الإسلامي فيه، ومزيدًا من تهميش الدور الأردني وإقصاء الأوقاف. وكان الأداء الأردني ضعيفًا إزاء هذا التطوّر بدت ملامح ضعفه في "تفاهمات كيري" التي أنقذت الاحتلال من مأزق كبير وأقرّت لمستوطنيه بـأنّ لهم زيارة الأقصى.

 

دخل الأردن ميدان تحدّ جديد مع محاولة الاحتلال تكريس إغلاق باب الرحمة نهائيًا، وهو مغلق بقرار من الاحتلال في عام 2003 بذريعة استعمال مكاتبه من قبل لجنة التراث التي صنّفها الاحتلال إرهابية، واستمرّ الإغلاق على الرّغم من نفي الأوقاف استعمال المبنى من قبل اللجنة المذكورة. حتى شباط/فبراير 2019، كان مجلس الأوقاف يدخل إلى المبنى وتنظّم فيه امتحانات المدارس الشرعيّة، لكن بعد جولة للمجلس الجديد، عمد الاحتلال إلى وضع قفل حديدي على البوابة الصغيرة المؤدّية إليه، فكانت تلك شرارة انطلقت على أثرها هبة باب الرحمة، التي تمكنت فيها جماهير القدس من فتح المبنى وأداء صلاة الجمعة فيه في 2019/2/22 لأول مرة منذ إغلاق قبل 16 عامًا. وقد تعرّض الأردن للضغط من الاحتلال لإخلاء المبنى أو تحويله إلى مكاتب، وعلى الرغم من إعلان الأردن أنّ المبنى مصلّى وجزء لا يتجزأ من الأقصى، فإنّ الاحتلال لا يزال مستمرًا في استهداف المبنى والمنطقة الشرقية من المسجد التي يقع فيها، فيما يتّخذ المستوطنون من هذه المنطقة محطّة لأداء صلواتهم في أثناء اقتحام الأقصى.

 

علاوة على ذلك، فإنّ الاحتلال يستهدف الأوقاف وموظفيها، في محاولة واضحة لتهميش دورها ومنعها من أيّ عمل في الأقصى من دون موافقته، كما في منع أعمال الترميم أو التصليحات، أمّا استهدافه حراس الأقصى فهو مسار متصاعد منذ عام 2017 على أثر هبّة باب الأسباط، وصولاً إلى تصريح رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري أنّ الاحتلال يريد أن يكون تعيين موظفي أو حراس الأقصى الجُدد عبره، وأن تقوم الحكومة الأردنية بإرسال ملفاتهم إلى المخابرات الإسرائيلية كي تُجيزهم قبل أن يباشروا عملهم.

 

وفيما يتعرّض الدور الأردني للاستهداف الإسرائيلي، جاءت صفقة القرن واتفاقات التطبيع العربية لتفرض مزيدًا من الاستهداف، فصفقة القرن أقرّت بالسيادة الإسرائيلية على القدس كاملة، شاملة الأقصى، وحصرت الدور الأردني في "التعاون" في مجال السياحة الدينيّة في إطار لجنة مشتركة لتطوير "السياحة اليهودية والإسلاميّة والمسيحيّة في دولتي إسرائيل وفلسطين". وعلى الرغم من أنّ ترامب الذي طرح هذه الرؤية لم يتسنّ له الفوز بولاية ثانية للضغط باتجاه تنفيذها، إلّا أنّ ذلك لا ينفي أنّ موجة التطبيع جزء من تنفيذ الصفقة وبنودها، إذ إنّها تبنّت فتح الأقصى أمام الزيارات التطبيعية تحت الاحتلال ووفق رؤيته وإرادته، بل إنّ ناشطين من "منظمات الهيكل" رحّبوا بالزيارات التطبيعية ودعوا المطبّعين إلى العمل معًا لإخراج الأوقاف من الأقصى وإنهاء دور الأردن في المسجد.

 

إذًا، يواجه الدور الأردني في الأقصى اليوم جملة من الأخطار وتماديًا إسرائيليًا في الاعتداء على المسجد. وإزاء هذا التّردّي، وفي ظلّ موجة التطبيع التي يُراد لها إعادة رسم الأدوار والاصطفافات في المنطقة، يمكن القول إنّ دور الأردن بات مستهدفًا ليس من قبل العدوّ وحسب بل من قبل "الأصدقاء" كذلك، ويبقى الموقف الشعبي في العالم العربي عمومًا، وفي القدس خصوصًا، هو ما يعوّل عليه لتحرير الأقصى واستعادة كلّ المقدسات.

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

ثلاثة مسارات سيقوم الاحتلال بالتصعيد من خلالها ضد الفلسطينيين في 2022

التالي

مبادرة الفجر العظيم تُصدِّع رأس "إسرائيل"

مقالات متعلّقة

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »

علي ابراهيم

لنصنع جيلاً متعلقاً بالقدس و«الأقصى»

الخميس 6 حزيران 2024 - 3:02 م

شكلت الاعتصامات الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، والغرب بشكل عام، ظاهرة جديدة في التضامن مع فلسطين، وانضمام شريحة جديدة للتفاعل مع قضية فلسطين، ورفض العدوان المستمر على القطاع. وفي سياق ال… تتمة »