السلطة الفلسطينية والموقف من طوفان الأقصى والعدوان على غزة

تاريخ الإضافة الخميس 4 كانون الثاني 2024 - 8:15 م    عدد الزيارات 746    التعليقات 0     القسم مقالات

        


براءة درزي

باحثة في مؤسسة القدس الدولية

دار موقف السلطة الفلسطينية من عملية طوفان الأقصى والعدوان على غزة في فلك موقفها المعتاد، ولم تمنع عقود من المفاوضات الفاشلة ورفض المقاومة واستجداء الحماية والمطالبة بمؤتمر دولي، لم يمنع كلّ ذلك السلطة من اعتماد الخطاب ذاته والمطالب نفسها، وتأكيد التمسك بنهج استفاد منه الاحتلال لقضم مزيد من حقوق الفلسطينيين.

 

لم يُدِن الرئيس الفلسطيني محمود عباس عملية طوفان الأقصى أو حركة "حماس" في باكورة مواقفه بعد العملية وبداية العدوان الإسرائيلي على غزة، وترأس اجتماعًا قياديًا طارئًا ضمّ عددًا من المسؤولين المدنيين والأمنيين، ووجّه "بضرورة توفير الحماية لأبناء شعبنا"، مؤكدًا حقّ الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه في مواجهة إرهاب المستوطنين وقوات الاحتلال، موجهًا بتوفير كل ما يلزم من أجل تعزيز صمود وثبات أبناء شعبنا في وجه الجرائم المرتكبة من قبل الاحتلال الإسرائيلي وعصابات المستوطنين.

 

وقال في اتصالين منفصلين تلقّاهما من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارحية الأمريكي أنتوني بلينكن إنّ سبب التصعيد هو انسداد الأفق السياسي، وممارسات المستعمرين وقوات الاحتلال.

 

على أثر ذلك، بدا موقف السلطة أكثر ميلاً إلى التنصلّ من العملية، وحصر المسؤولية في حركة "حماس" التي "لا تمثل الشعب الفلسطيني" وفق تصريحات لمسؤولين في السلطة، وكشف محمود الهباش، مستشار عباس، في مقابلة مع صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 7/12/2023، أنّ عباس يدين "حماس" في كلّ مكالمة واجتماع يجريه مع قادة العالم منذ عملية طوفان الأقصى، لكنّه لن يفعل ذلك علنًا في ظلّ استمرار الحرب في غزة .

 

وفي قمّة القاهرة للسلام في 21/10/2023، عكس ظاهر كلام الرئيس عباس تمسّكًا بالأرض وحرصًا على الحق الفلسطيني وباطنه تنكّر للمقاومة، حيث أشار إلى ما يجري في غزة بدوّامة العنف، وهو ما يشمل ما تقوم به المقاومة من ردّ على اعتداءات الاحتلال؛ ودان "قتل المدنيين من الجانبين"، وهو ما يعني المساواة بين فعل الاحتلال وفعل المقاومة على الرغم من أنّ المستوطنين أقرب إلى الميليشيات منهم إلى المدنيين، وهم غالبًا يحملون السلاح، وجرائمهم بحقّ الفلسطينيين في تصاعد وفق تقارير منها ما هو صادر عن جهات إسرائيلية، وهم يقيمون في أرض فلسطينية سرقها الاحتلال من أصحابها.

 

ودعا عباس إلى إطلاق سراح المدنيين والأسرى والمعتقلين كافة، والالتزام بالشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة، ونبذ العنف، واتخاذ الطرق السياسية والقانونية لتحقيق أهدافنا الوطنية ، والعنف هنا يشمل الفعل المقاوم، أمّا الدعوة إلى اعتماد الطرق القانونية والسياسية، فعلاوة على ما تحمله من تنكّر للمقاومة وتنصّل من فعلها، فهي تحمل انفصالاً عن الواقع الممتد على مدى عقود من استجداء الأمم المتحدة، والفشل في إلزام الاحتلال بوقف عدوانه على الأقصى أو وقف سياسة الاعتقالات وإطلاق سراح الأسرى.

 

وفي 8/12/2023، أكّد الرئيس عباس، في مقابلة مع رويترز، موقفه الثابت المتمسّك بالتفاوض بدلاً من المقاومة المسلحة لإنهاء الاحتلال الذي طال أمده، مشيرًا إلى أنه مع المقاومة السلمية ومع المفاوضات على أساس مؤتمر دولي للسلام وتحت رعاية دولية للتوصل إلى حل سياسي يؤدي إلى "إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية".

 

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أعلنت دعمها العدوان على غزة ووقوفها المطلق في صفّ الاحتلال على الرغم من المذبحة التي يرتكبها بحقّ المدنيين، لم تعلن السلطة أيّ موقف من هذا الدعم، والتقى الرئيس عباس وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وأبدى تجاوبًا مع الطرح الأمريكي الذي تحدّث عن دور للسلطة في غزة، ففي لقاء مع بلينكن عُقد في رام الله في 5/11/2023، أبدى عباس استعداده "للمساعدة في إدارة القطاع" بعد "عزل" حركة "حماس"، واستحقّ عباس الشكر من بلينكن للمساعدة في "الحفاظ على الهدوء بالضفة الغربية".

 

وأشار الهباش، في المقابلة التي نشرتها "تايمز أوف إسرائيل"، إلى أنّ السلطة لم تكن تريد هذه الحرب أو تحتاج إليها، متسائلًا: "ما الهدف منها؟ هل تصوّرت حماس أنها تستطيع الفوز؟وقال إن السلطة تستطيع أن تحافظ على الهدوء في غزة، لكنها بحاجة إلى فترة انتقالية مدتها ستة أشهر على الأقل حتى تتمكن من "إعادة التأهيل" قبل أن تتمكن من العودة إلى حكم غزة للمرة الأولى منذ أن أطاحت بها حماس في عام 2007، وأوضح الهباش إنه خلال هذه الفترة، ستوافق رام الله على وجود قوة دولية أو عربية للمساعدة في إدارة الشؤون المدنية والأمنية في غزة حتى تصبح السلطة الفلسطينية جاهزة لتولي المسؤولية.

 

وفي ما خصّ التنسيق الأمني، صدر بيان في 18/10/2023 على أثر اجتماع للقيادة الفلسطينية برئاسة عباس، أكّد الالتزام بجميع القرارات التي اتخذت في 3/7/2023، بشأن العلاقة مع دولة الاحتلال بما فيها استمرار وقف التنسيق الأمني بالكامل . لكن معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي تحدّث عن استمرار التنسيق الأمني في حدّه الأدنى ، ولفت تقرير نشرته صحيفة لوموند الفرنسية في 11/12/2023، إلى توفيق الطيراوي عضو اللجنة المركزية لفتح الذي خبر التنسيق مع "إسرائيل"، وشارك في عشرات الاجتماعات مع رؤساء المخابرات الإسرائيلية، وأوضح أن خليفته الحالي ماجد فرج لم ينحرف عن هذا النهج، فهو يستمر في مقابلة رونين بار رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) بشكل منتظم . وفي 15/12/2023، قال مسؤول أمريكي كبير إن قوات السلطة الفلسطينية عملت بشكل استثنائي في منع حركة "حماس" من تنفيذ "أعمال عنف" في الضفة بعد عملية السابع من أكتوبر .

 

وتوّج عباس ما تقدّم من موقف للسلطة، في مقابلة تلفزيونية، بتأكيد استعدادها لتولي المسؤولية في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن مرحلة ما بعد الحرب ستكون اختبارًا للولايات المتحدة لإثبات قدرتها على الوفاء بالتزامها في دعم حكم السلطة على القطاع. وقال إنّ السلطة "موجودة في غزة رغم انقلاب حماس في 2007"، ولم تنقطع عن دفع الرواتب لموظفيها في القطاع، ولديها بالفعل الكوادر والخطط لحكم غزة في اليوم التالي للحرب، إذ إنّ الكوادر التابعة للسلطة موجودة بالفعل فى غزة. ولفت عباس إلى أنّ موقف السلطة في المحادثات مع سائر الفصائل محدّد في أربع نقاط رئيسة، هي وحدة الشعب الفلسطيني، والشرعية الدولية، والمقاومة السلمية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. فأمّا "وحدة" الشعب الفلسطيني فعكَسها استفرادُ السلطة الفلسطينية، على مدى سنوات، في فرض رؤيتها التي لم تسفر عن أيّ تقدم تجاه قيام دولة (حتى ضمن ما يقبله "المجتمع الدولي" و"الشرعية الدولية")، مع استمرار الإصرار على التمسك بـ "المقاومة السلمية" ورفض المقاومة العسكرية على الرغم من أنهّا حقّ مشروع لمواجهة الاحتلال ، وعلى الرغم من أنّها تعضد المطلب السياسي وتعزّزه ولا تتعارض معه.

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

أفق نهاية الحرب

التالي

الموقف العربي الرسمي من العدوان على غزة: خطاب مكرر من الإدانة، ومساواة بين المقاومة والاحتلال

مقالات متعلّقة

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »

علي ابراهيم

لنصنع جيلاً متعلقاً بالقدس و«الأقصى»

الخميس 6 حزيران 2024 - 3:02 م

شكلت الاعتصامات الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، والغرب بشكل عام، ظاهرة جديدة في التضامن مع فلسطين، وانضمام شريحة جديدة للتفاعل مع قضية فلسطين، ورفض العدوان المستمر على القطاع. وفي سياق ال… تتمة »