حسم واقع القدس قبل الوصول إلى التفاوض عليها

تاريخ الإضافة الثلاثاء 1 كانون الثاني 2008 - 12:25 م    عدد الزيارات 5342    التعليقات 0     القسم

        



إنّ إمكانية التوصل إلى سلامٍ مع الطرف الصهيوني باتت تكذّبه الكثير من المعطيات والممارسات على الأرض، وأنّ الادّعاء بوجود محاولاتٍ جادة لتسوية القضية الفلسطينية وعلى رأسها الدفع باتجاه نجاح جولات التفاوض التي تدور بين الطرف الفلسطيني والطرف "الإسرائيلي"، والتي كانت من نتائج مؤتمر أنابوليس، فالإيحاء بأنّ الطرف الصهيوني والأمريكي يحاولون حلّ المشكلة الفلسطينية بينما هم في الحقيقة يحاولون بكافة الأشكال تصفيتها والقضاء عليها نهائياً، ويدلّل على هذا الاتجاه من التحليل تلك الممارسات الصهيونية داخل مدينة القدس والتي تحاول فيها الدولة الصهيونية تغيير كل ملامح مدينة القدس من الناحية الجغرافية والديموغرافية ومن ناحية المقدسات الدينية.

 

فقد أثار قرار سلطات الاحتلال الصهيوني تخصيص موازنات مالية كبيرة لبناء وتوسيع وتسمين المستعمرات "المستوطنات" اليهودية في مدينة القدس خاصة، شكوكاً كبيرة حول نية الدولة الصهيونية الحقيقية، وكشفت تلك الممارسات عن حقيقة الرؤية الصهيونية ومخططاتها المستقبلية، فقد أثبتت هذه الممارسات أنّ سلطات الاحتلال تسعى إلى تهويد القدس وحسم قضيتها بما يجعلها غير قابلةٍ للتفاوض المستقبلي، وإلغاء كلّ إمكانيات جعلها عاصمة للدولة الفلسطينية المقبلة.

 

فقد قرّرت سلطات الاحتلال مؤخّراً، توظيف أكثر من مائة مليون شيقل لتوسيع مستعمرتي جبل أبو غنيم، ومعاليه أدوميم، جنوب وشرق مدينة القدس المحتلة، حيث ستُبنى في مستعمرة أبو غنيم أكثر من خمسمائة وحدة استيطانية جديدة بالإضافة إلى بناء أكثر من 250 وحدة في مستوطنة معاليه أدوميم، فضلاً عن تخصيص عشرات الملايين من الشواقل لتنفيذ عمليات هدم المزيد من منازل المواطنين الفلسطينيين في أحياء وقرى وبلدات القدس المحتلة، خاصة المُتاخمة للمستعمرات والبؤر المنتشرة في المدينة، أو التي يقطعها جدار الفصل والتوسع العنصري.

 

فالمُخطط الجديد والذي جاء بعد مؤتمر أنابوليس والقاضي بتوسيع المستعمرات سيُضاعف من أعداد اليهود فيها، مقابل إخراج عشرات الآلاف من المواطنين المقدسيين خارج حدود بلدية القدس التي رسمتها بلدية القدس، كما يهدف هذا المخطط إلى تقسيم الضفة الغربية إلى معازل يتم فصلها عن بعضها، ويعتبر مخطط القدس جزءاً من مخططٍ شامل وكبير لجميع أنحاء الضفة الغربية وبموجب هذا المخطط الشامل تمّ حتى الآن عزل القدس وغور الأردن ويتم العمل على تنفيذ باقي المعازل.

 

من الواضح أنّ ما تقوم به الدولة الصهيونية من ممارسات استيطانية وممارسات على الأرض تسعى من خلالها إلى حسم الواقع على الأرض من الناحية الجغرافية والديموغرافية، وأنّ ما أعلنته سلطات الاحتلال يعني أنها تستبق أيّ حلّ قادم، وتؤكّد بهذه الإجراءات على أنّ القدس هي عاصمتها "الأبدية" ولا مكان لعاصمة ثانية فضلاً عن إحداث تغيير جذري في القضية الديموغرافية بعد أنْ تمّ حسمها من الناحية الجغرافية.

 

إنّ ما يجري اليوم في القدس من عمليات توسيع استيطانية كبيرة جداً سواءً داخل مدينة القدس أو ما حولها، هو لتنفيذ رؤية أولمرت باتجاه مدينة القدس لعام 2010، والتي تقضي بضمّ الكتل "الاستيطانية" خارج حدود بلدية القدس إلى داخلها في البداية يتبعها عملية الضم وخاصة في مستعمرة معاليه أدوميم التي تلتفّ حتى غور الأردن، والتي هدفها استراتيجي كبير جداً وهو فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، ولم يكنْ بمقدور أولمرت القيام بذلك إلا بعد أنْ أخذ الموافقة الأمريكية والضوء الأخضر بعد مؤتمر أنابوليس.

 

من الواضح أنّ عملية تهويد القدس والمسجد الأقصى يتمّ الإشراف عليها من جهاتٍ رسمية ولجانٍ تقوم برعايتها الدولة الصهيونية نفسها في مخطط يستهدف الانتهاء من تصفية قضية القدس والإعلان رسمياً عن أنّ مدينة القدس أصبحت العاصمة الرسمية للدولة الصهيونية بدلاً من مدينة تل أبيب، كما أنّ هذه المخططات هي عبارة عن تنفيذٍ لسياسة فرض الوقائع على الأرض ومن ثمّ تصبح عمليّة التفاوض على مدينة القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية درباً من الخيال، وأنّ التفاوض في المستقبل سيكون فقط في كيفية تمكين الفلسطينيين من الصلاة في المسجد الأقصى بعد أنْ يتمّ تقاسمه مع الصهاينة من خلال الحفريات التي تتمّ، والتي تهدف إلى خلق ممرات ومسارات للصهاينة للوصول إلى وضعٍ يسمح لهم بالصلاة في مساحات داخل المسجد الأقصى ستخصّص لهم، وهي خطوات ستمهّد إلى اللحظة المناسبة لبناء هيكلهم المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى. فهل من مغيث وهل من مجيب؟؟!!

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

ضياع القدس... بين الإهمال والاستيطان

التالي

لا معنى لمؤتمر أنابوليس ولا لمؤتمر باريس

مقالات متعلّقة

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »

علي ابراهيم

لنصنع جيلاً متعلقاً بالقدس و«الأقصى»

الخميس 6 حزيران 2024 - 3:02 م

شكلت الاعتصامات الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، والغرب بشكل عام، ظاهرة جديدة في التضامن مع فلسطين، وانضمام شريحة جديدة للتفاعل مع قضية فلسطين، ورفض العدوان المستمر على القطاع. وفي سياق ال… تتمة »