مقدســات القــدس تُنْتَهَـــك ... فماذا تنتظرون؟!
لأنّنا أهملنا القدس ومقدساتنا.. ولأنّنا صمتنا وسكتنا عاماً بعد عام على انتهاك حرمات مقدساتنا ولم نتحركْ إلا بخجلٍ وبيان لا يقرأه سوى حفنة من الناس، لذلك تمادى الاحتلال في عنجهيته وفي استخفافه بمشاعر المواطنين المقدسيين وفي عدم احترامه لأماكن عبادتنا الإسلامية منها والمسيحية..
في العام الماضي كان لي مقالٌ حول ما جرى يوم سبت النور، هذا اليوم المقدّس لدى المسيحيين الذين يأتون من كلّ بقاع الدنيا للاحتفال به وبعيد القيامة المجيدة في أرضنا المقدّسة، وكيف مُنِع المواطنون من الدخول إلى كنيسة القيامة وحتى إلى ما حولها على الرغم من ادعاء الاحتلال بإعطائه حرية العبادة للمؤمنين المسيحيين والمسلمين.. تحدّثت كثيراً في ذلك المقال عمّا جرى وكيف تصرّف جنود ورجال شرطة الاحتلال مع المواطنين وحتى الزوار... ولأنّه لا أحد تحرّك جدياً في العام الماضي والعام الذي قبله وقبله لتلافي ما حدث استمرّ الاحتلال في منع المصلّين من الوصول إلى أماكن عبادتهم ولكنْ هذا العام بوحشية وهدرٍ لكرامة المواطنين..
ما جرى يوم سبت النور هذا العام يجب أنْ يلقى صدى واسعاً وردودَ فعلٍ قوية لا أنْ يتمّ التعامل معه ببيانات خجولة فقط.. يجب أنْ تكون له وقفة جادة حازمة ليحسب الاحتلال حساباً لنا ولمشاعرنا الدينية ولمقدساتنا التـي يدنّسونها ويعيثون بها فساداً ببساطيرهم وأسلحتهم وتحويلها إلى ثكنات عسكرية وشرطية مستهترين بقدسية تلك الأماكن..
نعم ثكنة عسكرية وشرطية.. هذا ما تحوّلت إليه كنيسة القيامة يوم سبت النور المقدس الذي ينتظره المسيحيون بفارغ صبرٍ ليقوموا بعبادتهم وصلواتهم في داخل تلك الكنيسة المقدسة التي تضمّ قبر السيد المسيح عليه السلام..
ولا أبالغ إنْ قلتُ إنّ عدد الشرطة وحرس الحدود الذين كانوا في كنيسة القيامة وساحتها ومحيطها لا يقلّ عن ألفيْ عنصرٍ إنْ لم يكنْ أكثر، بحيث لم نعدْ نرى مصلّين وإنما رجال شرطة وحرس حدود كما رأينا في الصور التي على غلاف العدد بعض منها.. هذا مع العلم بأنّنا مُنِعنا من الدخول ليس فقط إلى كنيسة القيامة وإنّما حتى إلى محيطها، وقد شاهدنا بعد انتهاء الصلوات والاحتفالات أفواجاً تلْوَ أفواجٍ من الشرطة وحرس الحدود تغادر منطقة الكنيسة بحيث علّق أحد المواطنين على ما رآه "يبدو أنّ اليوم هو عيد الشرطة وحرس الحدود وليس يوم سبت النور..."!!!
ويا ليت الأمر بقِيَ عند حدّ المنع؛ بل وقد وصل الأمر بهؤلاء المتوحّشين الذين زُرِعوا حول كنيسة القيامة وفي شوارع القدس القديمة وعلى مداخل معظم أبوابها إلى الاعتداء على المصلين بوحشية وقسوة، وقد شاهدت إحدى النساء وقد دفعها رجال حرس الحدود وألقوا بها أرضاً لتسيل الدماء منها وهم يقفون لا يحرّكون ساكناً لولا قيام بعض المواطنين والأجانب بمساعدتها على الوقوف ومحاولة إسعاف الجرح الذي أصابها.. ولماذا؟! لأنّها طلبت منهم المرور للوصول إلى كنيسة القيامة وتأدية الشعائر الدينية فيها..
وكم من عائلةٍ أصبح أبناؤها في جهةٍ والآباء أو الأمهات في جهة أخرى، وأخذ كلّ منهم يبحث عن الآخر. وقد شاهدنا أطفالاً صغاراً ضاعوا عن ذويهم يبكون بحرقةٍ لم تحرّك ساكن الجنود أو الشرطة الذين وقفوا ينظرون بكل صلافة ووقاحة..
أعلنوا أمام العالم ولكسب الرأي العام العالمي بأنّهم أعطوا التصاريح للمواطنين في الضفة ليستطيعوا الحضور إلى القدس والصلاة فيها.. نعم أُعطِيَت التصاريح لبعضٍ من الناس، ولكن إذا كان المواطنون المقدسيّون لم يستطيعوا الوصول إلى كنيسة القيامة لتأدية شعائرهم الدينية فما بالك بمواطنـي الضفة!! فعلى من يضحكون بتبجّحهم باحترام المشاعر الدينية وحرية العبادة للمواطنين...؟!
كلّ ذلك حدث والكثير الكثير أيضاً.. لتعود الأمور إلى مجاريها بعد انتهاء يوم سبت النور ولينسى الجميع ما حصل وكأنّه لم يحدثْ.. ونحن ماذا فعلنا بالمقابل؟! صمتنا وسكتنا تماماً كما صمتنا وسكتنا في العام الماضي والذي قبله وقبله ليتمادى الاحتلال أكثر وأكثر وأكثر.. فلا احترام لكنيسة مقدسة.. يدخلون إليها بأسلحتهم وبساطيرهم الملوّثة ليدنّسوا مقدّساتنا ويهدروا كرامة المواطنين ويمسوا بمشاعرهم الدينية..
يتحجّجون بالحفاظ على الأمن وسلامة الجمهور، فأين الأمن وأين الجمهور؟!! فإذا كان الجمهور لم يستطعْ الدخول إلى الكنيسة والأمن همْ من انتهكوه باعتدائهم على المصلّين، فكيف إذا هم يحافظون على الأمن وسلامة الجمهور؟!!...
هنا أتساءل: أليس ما حصل يستحقّ منّا وقفة جادة قوية وحازمة؟! وأين المسؤولون مما حصل؟! وأين قيادتنا وزعامتنا ممّا حدث؟! أفلا يستحق انتهاك حرمة كنيسة القيامة وانتهاك حق العبادة ومنع حتى النساء والشيوخ والأطفال من الدخول إليها، أنْ تسارع الجماهير كل الجماهير بمسيحييها ومسلميها حتى ولو إلى الشجب والاستنكار؟!
وأخيراً فما جرى يوم سبت النور يجب أنْ يقرع ناقوس الخطر مرة أخرى وأخرى وأخرى بأنّ قدسنا في خطرٍ بمساجدها وكنائسها وبمواطنيها مسيحيين ومسلمين.. فإلى متى الصمت عما يجري؟!!