شعرٌ للقدس (الجزء الثالث)
يستذكر إدمون شحادة من الناصرة في قصيدته "مدينة السلام والآلام" أغنية فيروز، فيبدأ قصيدته باقتباس مطلعها "شوارع القدس العتيقة"، ثم يقول:
بحزنها العتيق
تعيد صورة الأسطورة
* * *
فتشرئب في زوايا العطر والبريق
أنشودة الأيام والسنين
أسير مغرماً
بلهفة البراءة النقية
وفي التفاف كلّ منحنى
حكاية لحارس شرس
إنّه يرى في القدس صراع تهليلة الطفلة ذات القبعة الحمراء مع الذئب، وكذلك يستذكر قصة الأمير حامل الأختام، وهو يوقع في ذلك مهازل المصير.. يستذكر الحكايات والأساطير من عالم البراءة ليصل إلى شراسة الواقع. يرى الشاعر ضياع الزيتون من خدود حبيبته، وضياع الكروم من عيونها، وضياع عنفوان صدرها، فلا يملك إلا أنْ يتوجّه إلى الأسرار والإيمان والصلاة على نهج ما جاء في "زهرة المدائن".
يا لهف الكنائس المنزرعة في كلّ أشواك الحقول
وفي عيون حاملي صليبها
وقبة الأجراس في أعيادها
تتابع الفصول
ولكنّه ومن خلال إحساسٍ عربي بالقضية يتضامن مع موقف المسلم واعتباراته الدينية، لأنه شريكه في الموقع والنضال:
يا بهجة المساجد العالية الأعناق
ويا امتداد ومضة الإيمان
في القلب والشفاه
ووحدة الرحمن
وإذا كنّا قد رأينا قصيدة إدمون شحادة -وهو الشاعر المسيحيّ– تستلهم رموزًا إسلامية، فإنّ فدوى طوقان (1919-2003) الشاعرة المسلمة تستلهم هي الأخرى رموزًا مسيحية، وذلك في قصيدتها "إلى السيد المسيح في عيد ميلاده":
يا سيد مجد الأكوان
في عيدك تصلب هذا العام
أفراح القدس
صمتت في عيدك يا سيد كل الأجراس
* * *
القدس على درب الآلام
تجلد تحت صليب المحنة
تنزف تحت يد الجلاد
والعالم قلب منغلق
دون المأساة
* * *
يا سيد مجد القدس
* * *
يرتفع إليك أنين القدس
رحماك أجزّ يا سيد هذي الكأس!
وكثيراً ما ترد رموز القدس الإسلامية والمسيحية في إطار التعبير القومي العربي، فهذا جمال قعوار مثلاً يقول:
فالتمسوا غير الصخرة
غير الأقصى
غير القدس
فسور القدس منيع لا يهدم
وإذا صحّ لي أنْ أستشهد بأشعاري فقد استعرت "درب الآلام" و"القيامة" للتعبير عن المأساة والهم الوطني:
كنيسة تدقّ في أجراسها
" قيامة" مسيحياً يا ناصري!
يا درب آلامي أسير صابراً
أمشي على إيلام جرح طاهر