وللحرية المقدسية باب: هل ينتصر جوع سامر العيساوي لوجع الأسرى؟

تاريخ الإضافة الخميس 10 كانون الثاني 2013 - 1:57 م    عدد الزيارات 4584    التعليقات 0     القسم مقالات

        


براءة درزي

باحثة في مؤسسة القدس الدولية

لا تخلو جعبة سلطات الاحتلال من الأساليب التي تمعن من خلالها في التضييق على المقدسيين، وهي أساليب تصب في النهاية في خانة الضغط على أهل المدينة وحملهم على الاستسلام للسياسات الاحتلالية وزعزعة إيمانهم بقدسهم، وأقصاهم، وقضيتهم. وتلجأ دولة الاحتلال إلى الأسر كواحد من هذه الأساليب حيث تمعن في التضييق على الأسرى وانتهاك حقوقهم التي كفلها لهم القانون الدولي.

 

وقد شهد عام 2012 ثورة في صفوف الأسرى المعتقلين في السجون الإسرائيلية مع بدء 1200 فلسطيني في 17/4/2012 الإضراب عن الطعام لتحصيل بعض من حقوقهم، ولتحسين أوضاعهم في الأسر، إلى أن يتم تحريرهم. فكّ الأسرى إضرابهم بعد أن انتزعوا من سلطات الاحتلال وعودًا بتحسين أوضاعهم ولكن دولة الاحتلال، وهي أبعد ما تكون عن التقيد بأي التزام، لم تتوقف عن انتهاك حقوق الأسرى بدءًا من الاعتقال وأساليب التحقيق والتعذيب وليس انتهاءً بالحرمان من أدنى الحقوق التي تترتب عليها تجاه الأسرى في فترة اعتقالهم.

 

معاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال لا تختلف عنها معاناة الأسرى المقدسيين، بل يمكن وصف معاناة هؤلاء بالأصعب نظرًا إلى ازدواجية التعامل معهم من قبل دولة الاحتلال. التعسف المستمر الذي تمارسه دولة الاحتلال في الاعتقال والأسر دفع الأسير المقدسي سامر العيساوي إلى الإضراب عن الطعام في 1/8/2012، وهو لا يزال مستمرًا في إضرابه إلى اليوم.

 

الأسير العيساوي هو أحد الأسرى المقدسيين المفرج عنهم في صفقة وفاء الأحرار التي تمت على مرحلتين، الأولى في 18/10/2011 والأخرى في 18/12/2011. وكان العيساوي قد أمضى 10 سنوات في سجون الاحتلال من فترة محكوميته البالغة 30 عامًا، وقد استدعته قوات الاحتلال للتحقيق معه في مركز المسكوبية بالقدس في 30/3/2012 وقبل ذلك استدعته للتحقيق وأوقفته على الحواجز العسكرية المحيطة بالمدينة ومنعته من دخولها. اعتقال العيساوي جاء، وفقًا لادعاءات سلطات الاحتلال، بسبب إخلاله ببنود صفقة الأسرى، وعلى هذه الخلفية، تقدمت نيابة الاحتلال بطلب إلى محكمة عوفر لتثبيت الحكم القديم الصادر بحق الأسير العيساوي، أي السجن 30 عامًا.

 

معاناة العيساوي في أسره توازيها معاناة أهله وعائلته في بلدتهم العيسوية حيث أقدمت جرافات الاحتلال على هدم منزل شقيقه رأفت في 1/1/2013، كما قطعت شركة جيحون المياه عن منزل الأسير في 2/1 وطالبت عائلته بدفع مبلغ 155 ألف شيكل (حوالي 41 الف دولار) كديون مستحقة على العائلة للشركة لإعادة المياه. كما تشن سلطات الاحتلال حملة اعتقالات وتضييق وحصار على العيسوية تستمر منذ منتصف كانون أول/ديسمبر 2012 وذلك في محاولة لخنق الفعاليات التضامنية التي تشهدها البلدة مع ابنها العيساوي وسائر الأسرى المضربين عن الطعام. وقد عملت قوات الاحتلال على هدم خيمة الاعتصام المنصوبة في البلدة للتضامن مع الأسرى حوالي 6 مرات.

 

وعلى مستوى الفعاليات التضامنية، نُظّم في بيروت في 17/10 لقاء تضامني مع أسرى القدس ومع الأسيرين محمد التاج وسامر العيساوي والأسرى المرضى الذين يعانون حالة صحية خطيرة تهدد حياتهم. كما حدد مجلس جامعة الدول العربية اجتماعًا طارئًا على مستوى المندوبين الدائمين في 8/1/2013 لمناقشة سبل دعم الأسرى الفلسطينيين والعرب، خصوصًا المضربين عن الطعام. كذلك أطلق ناشطون فلسطينيون حملة إلكترونية بهدف جمع 25 ألف توقيع على عريضة تقدم إلى البيت الأبيض تُطالبه بالتحرّك لإنقاذ حياة الأسير العيساوي الذي دخل "مرحلة حرجة" في إضرابه المتواصل عن الطعام.

 

قضية الأسير العيساوي، وسائر الأسرى المضربين، تسلط الضوء على السياسات الثابتة التي تنتهجها دولة الاحتلال في القدس وعموم فلسطين لجهة اعتقال المواطنين الفلسطينيين وزجهم في سجونها تحت ذرائع مختلفة. والأسرى في سجون الاحتلال إما موقوفون بانتظار المحاكمة، أو محكومون، أو محجوزون رهن الاعتقال الإداري. والاعتقال يطال الرجال والنساء دون أن يوفر الأطفال الذين يتعرضون لأقسى ألوان التعذيب عند اعتقالهم والتحقيق معهم. وتعامل دولة الاحتلال الأسرى المقدسيين معاملة "خاصة" حيث تعتبرهم فلسطينيين كيلا تساويهم بالسجناء الإسرائيليين مما يحرمهم من أدنى الحقوق القانونية، ولكنها تعاملهم معاملة السجناء الجنائيين الإسرائيليين عندما يتمكن الأسرى الفلسطينيون من تحصيل بعض من حقوقهم وتستثنيهم من صفقات تبادل الأسرى ولا تعطيهم حقوق أسرى الحرب.

 

يقبع في سجون الاحتلال اليوم 4743 أسيرًا منهم 167 أسيرًا مقدسيًا، وفقًا لمؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان. ويعاني الأسرى المقدسيون سوء معاملة الاحتلال لهم والتضييق الذي يلاحقهم في أدق التفاصيل ليحرمهم أحيانًا من زيارة أقاربهم لهم في السجن، وقد تكررت حالات حرم فيها أسرى مقدسيون من رؤية أهلهم المرضى أو تشييعهم ودفنهم عند وفاتهم. كما أن سلطات السجن لا تلتزم بتأمين العناية الصحية اللازمة للأسرى ما يؤدي إلى إصابتهم بالأمراض وتفاقمها نتيجة غياب العناية الطبية اللازمة. وعلى الرغم من أن قضية الأسرى المقدسيين أجلت بموجب اتفاق أوسلو إلى قضايا الحل النهائي حيث تستثنيهم دولة الاحتلال من أي اتفاقية تبادل للأسرى، إلا أن ذلك ليس ثابتًا حيث أفرجت عن عدد من الأسرى المقدسيين بموجب صفقة التبادل التي عقدتها مع الجبهة الشعبية – القيادة العامة عام 1979. وتكرر الأمر ذاته في صفقة وفاء الأحرار التي تضمنت الإفراج عن 45 أسيرًا مقدسيًا، من بينهم الأسير العيساوي.

 

إن قضية الأسرى المقدسيين والفلسطينيين تحتاج إلى إيلائها اهتمامًا كبيرًا حيث إن الاهتمام بها يقتصر اليوم على الجهات المحلية في القدس التي تعجز وحدها عن تفعيل القضية على مستوى واسع. وينبغي بداية الضغط على الحكومة الإسرائيلية لتحسين ظروف الاعتقال مع ضرورة وقف الاعتقال الإداري التعسفي ولإلزامها بالتعامل مع الأسرى وفق القوانين الدولية التي ترعى أوضاعهم، ولا سيما اتفاقية جنيف التي تنظم وضع الأسرى. كما أنه من اللازم تأمين المساعدة القانونية للأسرى منذ الاعتقال وخلال المحاكمة علاوة على تأمين الدعم لعوائل الأسرى الذين غالبًا ما يفقدون معيلهم كما يتعرضون للضغط والتضييق والممارسات التي تسعى من خلالها دولة الاحتلال إلى تقويض صمودهم وتضييق الخناق عليهم.

 

مقالات متعلّقة

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »

علي ابراهيم

لنصنع جيلاً متعلقاً بالقدس و«الأقصى»

الخميس 6 حزيران 2024 - 3:02 م

شكلت الاعتصامات الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، والغرب بشكل عام، ظاهرة جديدة في التضامن مع فلسطين، وانضمام شريحة جديدة للتفاعل مع قضية فلسطين، ورفض العدوان المستمر على القطاع. وفي سياق ال… تتمة »