نقل السفارة إلى القدس... مشروع الترشح الرئاسي الأمريكي

تاريخ الإضافة الجمعة 20 كانون الثاني 2017 - 12:44 م    عدد الزيارات 9559    التعليقات 0     القسم مقالات

        



 

 

لم تكن قضية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وليدة اليوم، حيث سعت "إسرائيل" إلى ذلك منذ احتلال مدينة القدس بشقّيها الغربي والشرقي عام 1967، ومرّت هذه القضية بمراحل عدةٍ منذ عهد الرئيس "ليندون جونسون" آنذاك، مرورًا بالرئيس "رونالد ريجان" (1981-1989)، والرئيس "بيل كلينتون" (1993-2001)، وصولًا إلى الرئيس "دونالد ترامب" اليوم؛ والذي لم يكن رائدًا في وعده بنقل السفارة، حيث إن معظم من وصل إلى سدة الرئاسة، إضافةً إلى عشرات المسؤولين، وعدوا بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب المحتلة إلى القدس المحتلة.

نقل السفارة الأمريكية إلى القدس خلال ترشحه لفترة رئاسية ثانية عام 1984"

درجت العادة في الولايات المتحدة الأمريكية أن يقوم المرشّحون للرئاسة في الحملات الانتخابية بإبداء مناصرتهم لـ"إسرائيل" واستعدادهم لدعمها سياسيًّا، واقتصاديًّا، وعسكريًّا، وغير ذلك من أشكال الدعم، واسترضاء الإسرائيليين بذلك، بهدف الحصول على أصوات اليهود الأمريكيين في انتخابات الرئاسة الأمريكية؛ ويعتبر الرئيس ريجان أوّل من سنّ هذه السنة إبان ترشحه لفترة رئاسية ثانية عام 1984، حيث قال: "ربما أدرس نقل السفارة الأمريكية إلى القدس"، وتبعه في ذلك كل من ترشّح للرئاسة.

 

شهدت الفترة الرئاسية الثانية لريجان أوّل محاولةٍ عمليةٍ للحصول على قرارٍ يقضي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، حيث وافقت اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في الكونغرس في 1/10/1984 على مشروع قرارٍ بـ"نقل السفارة الأمريكية ومقر السفير الأمريكي من تل أبيب إلى القدس في أقرب وقتٍ"، ولكنه لم يُعرض للتصويت؛ وفي عام 1985 أضاف مجلس الشيوخ مشروع تعديلٍ على لائحة الأمن الديبلوماسي ينصّ على أن بناء سفارةٍ جديدةٍ في "إسرائيل" يجب أن يكون في القدس فقط، لكنه لم يتم أيضًا؛ وكانت لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس قد نظرت بالقرار رقم 352 الذي يوصي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، غير أن اللائحة جُمّدت؛ وبعد تعديل قانون "هيلمز" في 1988 كان من شأن الكونغرس أن يفتح الطريق أمام إقرار بناء منشأتيْن دبلوماسيتيْن يتم بناؤهما بصورةٍ متزامنةٍ في تل أبيب والقدس، ويمكن لأي منهما أن تستخدم سفارة لأمريكا، وتترك للرئيس الأمريكي حرية القرار في هذا الشأن، وقد وقّع ريجان بعد عامٍ اتفاقيةً مع "إسرائيل" بشأن شراء أراضٍ في القدس لبناء ونقل السفارة عام 1996، رغم اعتبار مدينة القدس أرضًا محتلةً؛ إلا أن أمريكا طلبت أن يظل الهدف من العقد غير معلنٍ ومبهمٍ، بينما "إسرائيل" طالبت أن يكون نص العقد صريحًا، ما أدى إلى تعرقل الاتفاق ومن ثم تعليق القضية.

انتهت فترة حكم ريجان، وتسلّم الرئيس "جورج بوش" الأب إدارة البلاد عام 1989؛ لكن بوش كان يميل إلى إيجاد حلٍ لقضية القدس وما تحتويه من ملفاتٍ عبر التسوية والمفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ما جعله يعارض بشدةٍ قرار الكونغرس رقم 106 في 22/5/1990، الذي ينص على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس؛ وذهب بوش إلى أبعد من ذلك، حينما قرر تجميد صرف ضمانات قروضٍ للحكومة الإسرائيلية بقيمة 400 مليون دولار، وربط صرفها بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس؛ وهكذا عُلّقت قضية نقل السفارة مرة أخرى حتى انتهاء ولاية بوش عام 1993.

ومع حلول موسم الانتخابات، لاختيار الرئيس الثاني والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية عام 1993، كان موقف جورج بوش الأب وجبةً دسِمةً أحسن الرئيس "بيل كلينتون" استغلالها في حملته الانتخابية، ما دفع إدارته للموافقة، فيما بعد، على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، شرط ألا يكون ذلك قبل عام 1999. وبعد إبرام اتفاقية أوسلو، صرّح رئيس حكومة الإسرائيلية آنذاك "إسحاق رابين" أن "الخلافات بشأن قضية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس غير مهمةٍ، وعلى الجانبين السير قُدمًا"، لتعود القضية إلى الواجهة من جديد.

 

في العام 1995، صوت غالبية أعضاء الكونغرس على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة.

صوّت أعضاء الكونغرس، في 23/10/1995، على قانون 104-45، الذي يقضي بنقل السفارة الأمريكية في "إسرائيل" إلى القدس، واعتبارها عاصمة الدولة الإسرائيلية، وجاءت نتيجة التصويت على نحوٍ غير مسبوقٍ من التوافق، إذ وافق 467 صوتًا مقابل 42 رفضوا ذلك فقط.

 

رغم صدور قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس عام 1995، إلا أن القرار لم ينفّذ، ودأب الرؤساء الأمريكيين إلى تأجيل النقل، مع الاستمرار بإطلاق الوعود بتنفيذ القرار بعد الفوز بالانتخابات؛ وقد كان يعزو كلّ واحدٍ منهم التأجيل إلى تداعيات هذا الإجراء الذي من شأنه "تهديد مصالح الأمن القومي الأمريكي".


أما "دونالد ترامب"، الرئيس الأمريكي الجديد الذي يملك بيتًا في القدس، فإن ما أُعلن على لسانه ولسان أعضاء فريقه ومستشاريه، بما يخصّ نقل السفارة الأمريكية إلى القدس مثيرٌ للريبة، فهي لم تعد وعودًا فقط، بل أصبحت أقرب للتنفيذ، خاصةّ مع تعيين "ديفيد فريدمان" المحامي ومستشار ترامب في الحملة الرئاسية، سفيرًا للولايات المتحدة لدى "إسرائيل"، وهو يهوديٌّ أمريكيٌّ من الداعمين للاستيطان، فهو يشغل منصب رئيس منظمة "الأصدقاء الأميركيين لمستوطنة "بيت إيل" المقامة في رام الله، وهو من المؤيدين لنقل السفارة إلى القدس، حيث قال في بيانٍ له:" إننا نريد العمل من أجل "السلام"، ونتطلع إلى "تحقيق ذلك من سفارة الولايات المتحدة في العاصمة الأبدية لإسرائيل، القدس".

إن ما يزيد الخوف من تنفيذ لقرار نقل السفارة، أن ترامب يبدو أقل ميلًا ممن سبقه إلى التراجع عن فكرته، وهو ما سيكون خطأً قاتلًا، ليس للفلسطينيين فقط، ولكن لسمعة أمريكا ودبلوماسيتها، وللأمن القومي الإسرائيلي، علاوةً على اعتبار ذلك انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي وللأعراف الدبلوماسية المعتمدة؛ ويُنظر لخطوة ترامب، إن تحققت، باعتبارها ستجهز على ما تبقى من صورةٍ للولايات المتحدة كراعٍ للتسوية، لأن القدس هي القضية الأكثر حساسية في الصراع مع الإسرائيليين.

لا بد من الاعتراف بصعوبة التنبؤ بما سيحدث، إلا أنه ووفق سيناريوهاتٍ وضعها باحثون ومحللون، فنحن أمام احتمال تنفيذ ترامب لوعده باعتباره أولويةً قصوى، أو اختيار مكتب الخدمات الدبلوماسية الأمريكية في القسم الغربي من القدس ليكون سفارةً للبلاد، أو إنشاء سفارةٍ في هذا القسم من المدينة باعتباره جزءً غير متنازعٍ عليه، أو الإبقاء على السفارة الأمريكية في تل أبيب، بينما يقيم السفير في القنصلية الأمريكية في القدس، أو أن يقوم ترامب بخطوة مزدوجة، فيعلن عن نقل السفارة الأمريكية للقدس من ناحية، ويعلن اعتراف أمريكا بدولة فلسطين في الوقت نفسه، كترضيةٍ للطرف الفلسطيني وامتصاصٍ لردات الفعل العربية والفلسطينية؛ بذلك يبقى الاحتمال كبيرًا بأن ينجح الإسرائيليون في الحصول على ما أرادوه منذ عشرات السنين.

ويبقى السؤال: إلى أين سيقودنا جنون ترامب؟ هل سيضرب بنتائج نقل السفارة عرض الحائط وينفّذ القرار؟ أم سيسعى إلى تفادي تطبيقه مثلما حاول أسلافه من الرؤساء السابقين خشيةً على الأمن القومي الأمريكي، وخشيةً على “إسرائيل” نفسها من نتائجه؟

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

هزيمة الجنود الذين لا يقهرون

التالي

مشهد الفخر والاعتزاز

مقالات متعلّقة

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »

علي ابراهيم

لنصنع جيلاً متعلقاً بالقدس و«الأقصى»

الخميس 6 حزيران 2024 - 3:02 م

شكلت الاعتصامات الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، والغرب بشكل عام، ظاهرة جديدة في التضامن مع فلسطين، وانضمام شريحة جديدة للتفاعل مع قضية فلسطين، ورفض العدوان المستمر على القطاع. وفي سياق ال… تتمة »