الاحتفالات الإسرائيلية باستكمال احتلال القدس: طريقة أخرى لفرض الحقائق على الأرض

تاريخ الإضافة الثلاثاء 23 أيار 2017 - 12:30 م    عدد الزيارات 10666    التعليقات 0     القسم مقالات

        


براءة درزي

باحثة في مؤسسة القدس الدولية

 

يستعدّ الاحتلال، منذ العام الماضي، للاحتفال بمرور 50 عامًا على استكمال احتلال القدس بكثير من الاهتمام بالمناسبة ليوصل من خلالها رسائل في اتجاهات متعددة داخلية وخارجية، وعلى مستويات مختلفة سياسية وشعبيّة يمكن اختصارها بأنّ القدس بشرقها وغربها هي عاصمة الدولة العبرية؛ وهو يرصد لأجل ذلك المال والجهد ليكون مشروعه التهويدي ناجحًا يصل به إلى النهايات التي ينشدها: القدس له عاصمة، والدّولة الفلسطينية مشروع انقضى وكابوس زال وانتهى.

منذ احتلال عام 1948 عمل الاحتلال على فرض الحقائق على الأرض، واستمرّ في سياسته هذه بعد احتلال الضفة وما تبقى من القدس عام 1967. وكان القانون الأساس لعام 1980 والذي أعلن القدس عاصمة للدولة العبرية من تجليات هذا الاتجاه. ومع أنّ أي دولة لم تعترف بالسيادة الإسرائيلية على القدس، إلا أنّ الاحتلال لا يزال يحاول أن يفرض كذبة لا يصدّقها أحد سواه. وفي إطار فرض الحقائق على الأرض تأتي الاحتفالات الإسرائيليّة باستكمال احتلال القدس لإقناع العالم بأنّ القدس للإسرائيليين: هي لهم، وتحت سيطرتهم وهم يحتفلون بذلك حقيقة وواقعًا.

وباحتفالات هذه السنة التي بدأ الاستعداد لها منذ العام الماضي، يتوّج الاحتلال 5 عقود من التهويد في شرق القدس، هي امتداد لاحتلال عام 1948 الذي قام على قتل الفلسطينيين وتهجيرهم وسرقة الأراضي واغتصاب الحقوق. وقد شهد عام 2016 فعاليات "تمهيدية" للمناسبة من افتتاح وزيرة الثقافة في حكومة الاحتلال "طريق الحجيج إلى المعبد" ضمن سلسلة الحفريات والأنفاق تحت منازل المقدسيين في سلوان، وافتتاح معرض صور في "الكنيست". واستمر التحضير للاحتفالات مع عام 2017 وفي مقدّمته إعداد شعار العام الذي قالت وزيرة الثقافة الإسرائيلية إنّه "يحكي قصة القدس الحقيقية"، مشيرة إلى أنّ إصرارها على مصطلح "تحرير" بدلاً من "توحيد" يتعلق برغبتها بمواجهة "محاولات تشويه الارتباط اليهودي بالقدس". كذلك طالب عدد من أعضاء "الكنيست" بتفعيل مشروع "القدس الكبرى"، وضمّ الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية لتكريس هذا العام على أنه "عام السيادة"، وقد صدرت الدعوات في هذا الاتجاه عن كل من وزير التعليم نفتالي بينت، ووزير المواصلات يسرائيل كاتس، ونائبة وزير الخارجية تسيبي حوتوفلي، وعضو "الكنيست" يهودا غليك. ومن المقرّر إقامة حفل رسمي في مستوطنة "غوش عتصيون" حيث يعزم وزير التعليم ووزيرة الثقافة على إنفاق 10 ملايين شيكل (2.74 مليون دولار أمريكي) لإحياء فعاليات الذكرى الـ50 لاحتلال الضفة الغربية. وستقوم بلدية الاحتلال في القدس برفع 10 آلاف علم في شوارع القدس بالتزامن مع الذكرى، هي أعلام دولة الاحتلال والبلدية واليوبيلية، لتقول إنّ القدس يهودية تحدّد هويتَها الأعلام المرفوعة في شوارعها!

هكذا يعمل الاحتلال ليتذكّر احتلاله كامل القدس وليؤكد استمرار سياسات التهويد؛ أمّا على المقلب العربي والإسلامي فيُمكن اختصار المشهد بما رشح عن القمة العربية التي انعقدت في الأردن في أواخر آذار/مارس المنصرم والتي نصّ بيانها على التمسك بمبادرة عام 2002 مع "إغراء" الاحتلال بـ "مصالحة تاريخية". ولعل الرد على المبادرة-التنازل كان سابقًا عليها وعبّر عنه نتنياهو في جلسة للحكومة في 11/12/2016 والتي أعلن فيها انطلاق الاحتفال بالذكرى الخمسين لاستكمال احتلال القدس حيث قال: "إنّ علاقتنا ليست بالقدس وحسب، بل بأرض إسرائيل، وإن اليونسكو لم تنف هذه العلاقة بعد، وما من شيء يمكن أن يلغي هذه العلاقة، وما سنفعله في هذه الذكرى أننا سنعززها، وأنا أتوقع أن علاقتنا بأرض إسرائيل، لا سيما بعاصمتنا، والفهم الدولي لهذه العلاقة سيتعزز في عام الاحتفال بهذه الذكرى".

إنّ تصرّم عقود من الاحتلال الرابض على قلب فلسطين يقول الكثير عن التخاذل العربي والإسلامي، وعن غياب الإرادة الدولية، وعن تسهيل الأمر على "إسرائيل" لتستمرّ في احتلالها واعتداءاتها التي نشهدها بشكل خاص في القدس والمسجد الأقصى مع مساعيها الحثيثة لتصفية الحقّ الفلسطيني وفق السيناريو الذي ترسمه. واليوم، ومع "فجور" الاحتلال بالاحتفال بما أتمّ وأنجز فإنّ من المهمّ تكثيف الجهود لمنع الاحتلال من فرض المزيد من الحقائق على الأرض، ومن التفرّد بالقدس والمقدسيين والمقدسات، من دون التّفريط بأيّ حقّ أو ثابت أيًّا كانت المسمّيات.

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

مشهد تهويدي من فيلم ترويجي للاحتلال

التالي

القدس جوهر الصراع

مقالات متعلّقة

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »

علي ابراهيم

لنصنع جيلاً متعلقاً بالقدس و«الأقصى»

الخميس 6 حزيران 2024 - 3:02 م

شكلت الاعتصامات الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، والغرب بشكل عام، ظاهرة جديدة في التضامن مع فلسطين، وانضمام شريحة جديدة للتفاعل مع قضية فلسطين، ورفض العدوان المستمر على القطاع. وفي سياق ال… تتمة »