كيف تشكلت"منظمات المعبد" أخطر أدوات تهويد الأقصى؟

تاريخ الإضافة الثلاثاء 4 كانون الأول 2018 - 10:50 ص    عدد الزيارات 5362    التعليقات 0     القسم مقالات

        


علي ابراهيم

 باحث في مؤسسة القدس الدولية

 

 

يظلّ المسجد الأقصى المبارك واحدًا من أهم بؤر الصراع مع الاحتلال في مدينة القدس المحتلة، حيث يتعرض المسجد لهجمة تهويديّة مسعورة، تعمل عبرها سلطات الاحتلال على التدخل في إدارته، وتحاول اقتطاع جزء من المسجد ليكون مساحةً مخصصة للمستوطنين، وتكتنف هذه الأهداف ممارسات واعتداءات تطال المكون البشريّ في الأقصى، ودائرة الأوقاف الإسلامية الجهة المشرفة على شؤونه.

وتحشد سلطات الاحتلال في سياق هذا الاستهداف مجموعةً من أذرعها التهويديّة، وفي مقدمتها "منظمات المبعد" التي تنشط في اقتحام الأقصى بشكلٍ شبه يومي، وفي دعوة المزيد من المتطرفين للمشاركة فيها، وتتضافر جهود "منظمات المعبد" مع عددٍ من أعضاء حكومة الاحتلال و"الكنيست"، الذين يشجعون اقتحامات الأقصى ويشاركون فيها، بالإضافة إلى أدائهم الصلوات التلمودية أمام أبواب المسجد، وإطلاق التصريحات والمواقف الداعمة لها، والمحرضة على المرابطين والمصلين.

ويبرز دور هذه المنظمات مع التغيرات التي شهدها المجتمع الإسرائيلي، الذي يجنح بشكلٍ متزايد نحو تبني الآراء والممارسات اليمينية، ويدعم هذه الممارسات التهويدية التي تقوم بها المنظمات، بالإضافة إلى التغيير المطرد الذي طرأ على الفتوى الدينية اليهوديّة حول دخول المسجد، التي عززت نزعة التصفية الموجودة سابقًا لدى مختلف التيارات والتوجهات لدى الاحتلال، ورفعت من أسهم هذه المنظمات لدى الطبقة السياسية الإسرائيلية، التي تتماهى معها ومع طروحاتها ومناسباتها.

وخلال الثلاثين عامًا الأخيرة ظهرت العديد من المنظمات التي تنادي ببناء "المعبد"، وتنشر هذه الثقافة بين جمهور المستوطنين، وتعدّ "منظمات المعبد" ذراع الاحتلال الأبرز في استهداف المسجد الأقصى، ويطلق عليها اسم "حركة المعبد الثالث"، وتهدف لبناء "المعبد" المزعوم مكان المسجد الأقصى، وتمثل تهديدًا للحصرية الإسلامية على المسجد، من خلال عملها على إدخال المزيد من المستوطنين خاصة المتطرفين منهم إلى الأقصى، وتحويل المسجد من خلال الأمر الواقع وفائض القوة إلى مكان خاص باليهود، انطلاقًا من تعريفاتهم الدينية، وصولًا لاقتطاع أجزاء منه أو السيطرة عليه بشكلٍ كامل.

ولم تكن "منظمات المعبد" وطرحها المتطرف أمرًا جديدًا على المجتمع الإسرائيلي، بل بدأت أفكار هذه المنظمات مع ما يعرف بجماعة "بريت هاشاشونيم / Brit Hachashmonaim" المتطرفة، وهي حركة يهوديّة عملت من خلال تعاليم يائير شتيرن، أسسها الحاخام المتطرف موشيه تسفي سيغال في عام 1937، وهي حركة شبابية دينيّة، رأت أن التجديد الوطني يعتمد على إعادة تأسيس ثيوقراطية يهودية وإعادة بناء "المعبد".

وشكل احتلال القدس عام 1967 تجددًا في هذه المنظمات، حيث فسرها التيار الديني المتطرف بأنها إشارة إلى اقتراب بناء "المعبد"، ومع عودة الأوقاف الإسلامية للإشراف على المسجد الأقصى، وعدم قيام سلطات الاحتلال بخطوات لفرض سيطرة مباشرة على المسجد، وجدت هذه الفئة من المتدينين أن الحكومة ليست هي "سفينة الخلاص"، التي سوف تحقق "النبوءات" اليهودية، فبدأت العمل على إنشاء المنظمات والحركات التي تحقق هذه الأهداف.

ومنذ احتلال المدينة بدأت تتصاعد المنظمات المتطرفة التي تعمل على تعزيز الوجود اليهودي في القدس المحتلة، ومختلف المناطق الفلسطينية الأخرى، حيث ظهرت منظمة "غوش إيمونيم" -Gush Emunim، التي أسسها الحاخام المتطرف موشي ليفنجر، عملت المنظمة على تعزيز الوجود الاستيطاني في المناطق التي تم احتلالها بعد عام 67، تطبيقًا لـ"أوامر التوراة"، وأصبحت هذه الحركة رسمية عام 1974، تحت شعار "أرض إسرائيل، لشعب إسرائيل، وفقًا لتوراة إسرائيل"، ومع أن هدف الحركة السيطرة على الأراضي الفلسطينية، كان العديد من أعضاء هذه المنظمة مهتمين ببناء "المعبد" وإعادة تأسيس "المملكة التوراتية".

استفادت "غوش إيمونيم" من وصول حزب الليكود إلى السلطة عام 1977، ووجدت في مناحيم بيغن وغيره من قادة الحزب شركاء في أهدافها، فتلقت دعمًا كبيرًا لاحتلال مساحات كبيرة من الضفة الغربية، وشهدت حينها انضمام العديد من طلاب المدارس الدينية، ولكنها تعرضت لأزمة في عام 1984 مع كشف شرطة الاحتلال خططًا لأعضاء في الحركة تستهدف تفجير قبة الصخرة في المسجد الأقصى، ما أدى إلى حلّ المنظمة، وشهدت "إسرائيل" حينها نقاشات حول طبيعة الحركة والتزامها بالقانون الإسرائيلي.

وشهدت الحركة المطالبة ببناء "المعبد" تحولًا كبيرًا، بعد فشل مخطط تفجير المسجد الأقصى، عبر تبني فكرة "اللاعنف" لتحقيق الوجود اليهودي في الأقصى، ففي عام 1984 أسس الحاخام المتطرف يسرائيل أرييل "معهد المعبد" (بالعبرية: ماشون حايكداش)، وتُشير المصادر إلى أن أرييل خدم في جيش الاحتلال خلال حرب 1967، وكان عضوًا في اللواء الذي اقتحم المسجد الأقصى، وهي الحادثة التي دفعت أرييل لتكريس حياته لفكرة بناء "المعبد". وبحسب الموقع الرسمي للمعهد، يعرفه القائمون عليه بأنه منظمة "تعليمية ودينية غير ربحية"، يهدف على المدى القصير إلى نشر أهمية "المعبد" لدى الجمهور الإسرائيلي من خلال التعليم، ويهدف على المدى الطويل إلى بناء "المعبد" في العصر الحالي، وتشمل أعمال المعهد زيادة الوعي العام حول "المعبد"، وإبراز "دوره المركزي في الحياة الروحية"، ويعمل المعهد لتحقيق أهدافه من خلال إصدار الأبحاث والمنشورات، وتنظيم الحلقات الدراسية والمؤتمرات، وإنتاج المواد التعليمية.

ومنذ تسعينات القرن الماضي شهدت الحركة الداعمة لأفكار "المعبد" تصاعدًا في حجم تأثيرها في الرأي العام الإسرائيلي، ما انعكس تزايدًا في أعداد المستوطنين المشاركين في اقتحام المسجد الأقصى، وعلى أثر توقيع اتفاقيات أوسلو عملت "منظمات المعبد" على تعزيز وجودها، وزيادة الوعي بـ"المعبد" في مجتمع الاحتلال، خاصة داخل القطاع الديني القومي، في تطبيق لرؤية المتطرف يهودا عتسيون التي تقدم التغيير "من أسفل" الهرم الاجتماعي من خلال تغيير الرأي العام، وتطلق المنظمات على هذه العملية اسم "تحضير القلوب"، وهي المرحلة التي تسبق إزالة المسجد الأقصى على زعمهم، وهو عنوان المرحلة لدى "منظمات المعبد".

ومنذ عام 2000 حققت هذه المنظمات موقعًا أساسيًا في التيارين اليمينيين السياسي والديني، ونسجت علاقات وثيقة مع سلطات الاحتلال، ما أدى إلى زيادة نشاطها، خاصة في اقتحام المسجد الأقصى والاعتداء عليه، وعلى الرغم من اختلاف أهداف كل واحدة من هذه المنظمات، إلا أنها تشترك في ما بينها بجعل الدين أداة لتحقيق أهداف "وطنية/قومية" متطرفة، في بقعة من الصراع والتوتر السياسي والديني.

 

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

التطبيع الرياضي مع الاحتلال: كأس مرّة للقضية الفلسطينية!

التالي

أشرف الموت قتل الشهادة!

مقالات متعلّقة

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »

علي ابراهيم

لنصنع جيلاً متعلقاً بالقدس و«الأقصى»

الخميس 6 حزيران 2024 - 3:02 م

شكلت الاعتصامات الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، والغرب بشكل عام، ظاهرة جديدة في التضامن مع فلسطين، وانضمام شريحة جديدة للتفاعل مع قضية فلسطين، ورفض العدوان المستمر على القطاع. وفي سياق ال… تتمة »