القضية الفلسطينية ما بين وهم خطّة السلام الأمريكية والرهان على الانتخابات الإسرائيليّة

تاريخ الإضافة الجمعة 15 شباط 2019 - 3:47 م    عدد الزيارات 4081    التعليقات 0     القسم مقالات

        


براءة درزي

باحثة في مؤسسة القدس الدولية

تحاول الولايات المتحدة أن تمهّد الطريق لطرح ما تسمّيه خطّة السلام عبر إيجاد أرضية مؤاتية تقوم على تعزيز التقارب بين "أصدقائها من السنة العرب" من جهة و"إسرائيل" من جهة أخرى. ومن الأدوات التي ابتكرتها في هذا السياق مؤتمر وارسو الذي عقد يومي 13-14/2/2019 في العاصمة البولندية بدعوة من واشنطن. ولا نحتاج إلى كثير بحث لتأكيد ارتباط المؤتمر بمخطّط طمس القضية الفلسطينية، وهو ما ظهر في التصريحات الأمريكية والإسرائيلية، والعرب المشاركين في المؤتمر، وفي جوّ الودّ بين وزراء الخارجية العرب ورئيس حكومة الاحتلال في أثناء المؤتمر.

ولا يخفى على المتابع لتطوّرات موقف ترمب وإدارته تجاه القضيّة الفلسطينيّة حرص واشنطن على تمهيد الطريق لطرح خطّتها التّصفويّة عبر تأمين غطاء عربي، خليجي على وجه الخصوص، يسمح بتمرير الحلول التي ستقدّمها من دون معارضة، وهذا ما يمكن أن يُستشفّ من الحرص الأمريكي على تسهيل التّطبيع العربي الإسرائيلي وإخراجه إلى العلن كما ظهر في مؤتمر وارسو، ومحاولة الخروج على الرأي العام بمشهد يظهر أنّ إيران هي سبب انعدام الاستقرار في المنطقة التي "تتعاون" دولها، بما فيها الكيان الإسرائيلي، على مواجهة هذا الخطر ومحاربته. وقد سرّب مكتب نتنياهو فيلمًا حول لقاء مغلق في وارسو تحدث فيه وزيرا الخارجية السعودي والبحريني وأشارا إلى أنّ إيران هي السبب في منع حصول تسوية بين "إسرائيل" والعرب، وأنّها سبب المشاكل في المنطقة، فيما قال وزير الخارجية البحريني، وفق صحيفة "يسرائيل هيوم"، إنّ "صراعنا مع إيران أهم من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي". أمّا نتنياهو فوصف ما جرى في المؤتمر بأنه "لحظة تاريخية فارقة. في القاعة ذاتها، بمشاركة 60 وزير خارجية وممثلين من عشرات الحكومات، أبدى رئيس حكومة إسرائيلي ووزراء خارجية دول عربية جبهة موحدة وتحدثوا بقوة، بصورة واضحة وغير عادية، ضد الخطر المشترك الذي يشكله التهديد الإيراني". وتوّج وزير الخارجية الأمريكية سيول التّصريحات المهلّلة لمشهد التطبيع والمبشّرة بعلاقات مع دولة الاحتلال قادمة "في نهاية المطاف"، بالقول إنّه "سيكون صعبًا إحلال السلام والاستقرار في الشرق الأوسط من دون مواجهة إيران". وإذا ما وضعت هذه التصريحات إلى جانب لقاءات الودّ والتقارب بين الشخصيات الرسمية العربية التي مثّلت أنظمتها ورئيس حكومة الاحتلال لا يمكن إلا أن نزداد يقينًا بأنّ خطّة السّلام التي أبلغ جاريد كوشنر المشاركين في مؤتمر وارسو بأنّها ستطرح بعد الانتخابات الإسرائيلية، لن تكون إلّا لمصلحة إتمام ما بدأه ترمب على طريق تصفية القضية الفلسطينية من إعلان القدس عاصمة لدولة الاحتلال، مرورًا بقراراته قطع الدعم المالي المخصّص للفلسطينيين.

على الضفة الأخرى، وفيما بدا واضحًا أنّ الولايات المتحدة تحاول ترسيخ التحالفات في المنطقة ونسجها على أساس التحالف مع ربيبتها "إسرائيل"، لا يزال البعض يعلّق آماله على العودة إلى المفاوضات، وعلى نتائج انتخابات "الكنيست" التي ستجرى في دولة الاحتلال في نيسان/أبريل القادم، لكأنّها ستجلب حمائم سلام يمكن الجلوس معهم إلى مائدة المفاوضات والخروج بحلّ يرضي الفلسطينييّن. لكن النظر في تاريخ الصراع لا يظهر أيّ فرق بين يمين ويسار، بين إسرائيلي "متطرّف" وآخر "معتدل"، باستثناء أنّ طرفًا يحاول إتمام مشروعه التهويدي ومخطّطاته الاستيطانية دفعة واحدة وآخر يبدو أكثر تدرّجًا في تنفيذه. لكنّ النّظر في تاريخ الصراع يؤكّد أنّ الحرب على فلسطين وأهلها لم يبدأها نتنياهو والحكومة الحالية، بل ورثها عن أسلافه، وعن العصابات الصهيونية، بيمينها ويسارها، وبإيديولوجية واحدة قائمة على التّطهير العرقي ضدّ الفلسطينيّين، وعلى أساس إنفاذ مشروعها الاستيطاني الإحلالي، وهذا المشروع لن يتخلّى عنه أيّ سياسي يحكم، وأي حزب إسرائيلي يصل إلى السلطة، لأنّ التخلي عنه يعني التخلّي عن أساس قامت عليه دولة الاحتلال. وانطلاقًا من هنا، فإنّ البداهة السياسية تقتضي عدم انتظار نتائج الانتخابات أملاً في العودة إلى المفاوضات، حتى إن كانت مثل هذه التصريحات من باب طمأنة الإسرائيليين ومدّ اليد إليهم، فهي لا تؤتي أكلها بل هي لا  تسهم إلا في تصدير صورة الفلسطيني الضعيف العاجز الذي ينتظر الاحتلال ليمنّ عليه بما هو له.

وما بين اقتراب طرح الخطة الأمريكية، وارتفاع وتيرة التطبيع مع الاحتلال، والرهان على الانتخابات الإسرائيلية مشهد تصعّد فيه "إسرائيل" من وتيرة هجمتها على القدس وأهلها ومقدّساتها، ففي الأقصى التهويد على أشدّه مع فرض الاحتلال المزيد من التآكل في الوضع القائم التاريخي والتركيز على ضرب الدور الأردني عبر استهداف دائرة الأوقاف وموظفيها، وإبعادهم عن مراكز عملهم، ومنعهم من ممارسة دورهم، والخطوات التي بدأها لترميم السور الغربي من المسجد الذي سقطت حجارته في تموز/يوليو 2018 بسبب الحفريات ومنع الاحتلال الأوقاف من القيام بدورها في أعمال الترميم. علاوة على ذلك، فإنّ الاحتلال متمسّك بمخطط التقسيم المكاني للأقصى، مع تركيزه على المنطقة الشرقية من المسجد التي يحرص على أن تكون حصريّة للمستوطنين في الأوقات المخصصة لاقتحاماته، فيمنع المسلمين من الوجود في المنطقة، ويؤمن الحماية للمستوطنين في أثناء أدائهم الصلوات التلمودية التي باتت مشهدًا يتكرّر بوتيرة متزايدة، فيما ملامح زرع كنيس في المنطقة الشرقية باتت تتكشّف في ظلّ الاعتداءات على مقبرة باب الرحمة الملاصقة للسور الشرقي من جهته الخارجية، ضمن محاولة للسيطرة عليها تمهيدًا لفتح باب الرحمة وتخصيصه للمستوطنين. وعلى مرمى حجر من الأقصى في جهاته الأربع يستمر مسلسل التّهويد في القدس المحتلّة، مع تضييق الاحتلال القبضة على المقدسيين بحملات الاعتقال والمداهمة، والإبعاد، وضرب اقتصادهم، ودفعهم إلى ترك مدينتهم، وتصعيد وتيرة الاستيطان، وهدم المنازل والمنشآت، واحتمالات هدم تجمع الخان الأحمر وتهجير أهله، والعمل على فرض وقائع على الأرض، في واحدة من أشرس معارك الاحتلال التي تستهدف القدس ضمن الحرب على فلسطين والفلسطينيّين.

إنّ القضية الفلسطينية، والقدس في القلب منها، على مفترق طرق اليوم، والمحاولات مكثفة من الحلف الأمريكي الإسرائيلي لتسقط القضية من الحسابات العربية عبر إدخالها بازار الأولويّات، وحرف النظر عن العدو وجرائمه عبر خلق حلف يضمّ دولة الاحتلال ويستعدّ لمحاربة إيران. على مدى عقود من "المحاولات" الأمريكية حل الصراع في المنطقة كان الفلسطينيون الأكثر تأثّرًا بسياساتها، وقضيتهم اليوم تتهدّدها التصفية والإلغاء. أما عقود من "الديمقراطية" الإسرائيلية، توالى عليها اليمين واليسار، فلم تنتج إلا سرقة للأرض، وانتهاكًا للحقّ، واعتداءً على المقدّس. إنّ المجرم معروف، وراعيه كذلك، ولا ينفع القضية الفلسطينية أو ينقذ القدس إلّا تسمية الأمور بسمّياتها، أمّا التحالف مع العدو فسيكون أوّلًا وبالاً على أصحابه، والمروّجين له.  

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

لن تمروا

التالي

سبعة مخاطر تتهدد المرأة المقدسية

مقالات متعلّقة

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »

علي ابراهيم

لنصنع جيلاً متعلقاً بالقدس و«الأقصى»

الخميس 6 حزيران 2024 - 3:02 م

شكلت الاعتصامات الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، والغرب بشكل عام، ظاهرة جديدة في التضامن مع فلسطين، وانضمام شريحة جديدة للتفاعل مع قضية فلسطين، ورفض العدوان المستمر على القطاع. وفي سياق ال… تتمة »