ماذا تريد إسرائيل من مواجهات باب العامود؟

تاريخ الإضافة السبت 24 نيسان 2021 - 4:47 م    عدد الزيارات 1491    التعليقات 0     القسم مقالات

        


عبد الله معروف

أستاذ جامعي في جامعة إسطنبول 29 مايو، وباحث ومتخصص في علوم القدس والمسجد الأقصى

 

لكن الاحتلال الإسرائيلي في السنوات الأخيرة دأب على محاولة إنجاز الملف الأبرز الذي فشل فيه طوال أكثر من 50 سنة وهو ملف القدس.

 

ومع تصاعد اليمين الإسرائيلي بشكل كبير في الانتخابات الإسرائيلية الرابعة - كما كانت في الثلاثة التي سبقتها - فإن قوى اليمين ترى أن هذه الأيام تعتبر فرصة ذهبية لا تعوض لكي تنجز مشروعها في مدينة القدس. وهذه القوى صار يمثلها في هذه الفترة على شكل غير مسبوق تلاميذ الحاخام مائير كهانا.

 

في هذه الظروف يأتينا شهر رمضان المبارك الحالي، الذي شهد منذ بدايته اعتداءات إسرائيلية متتابعة على المسجد الأقصى المبارك وعلى محيطه في مدينة القدس وخاصة منطقة باب العامود.

 

ففي أول أيام هذا الشهر فوجئ المصلون المسلمون بقوات الاحتلال الإسرائيلي تقطع أسلاك الكهرباء عن مآذن المسجد الأقصى بحجة أنها قد تشوش على الاحتفالات الإسرائيلية المقامة في منطقة حائط البراق بمناسبة ما يسمى "عيد الاستقلال"، وهو ذكرى النكبة الفلسطينية بالتقويم العبري.

 

في ذات الوقت تتابعت عمليات التهويد وعمليات التخريب الإسرائيلية لأجواء الشهر الفضيل، حيث حرصت قوات الاحتلال على استمرار اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى بشكل يومي، بل وتصاعدت حدة هذه الاقتحامات في الفترة الأخيرة لتصل إلى استعمال مشارب المياه في المسجد الأقصى المبارك بشكل طبيعي، وإلى حد مطالبة هذه الجماعات المتطرفة لحكومتها برفع الحظر المفروض عليها بإدخال الطعام والشراب إلى المسجد الأقصى، وهو القرار الذي اتخذه بالفعل وزير الأمن الداخلي أمير أوحانا في 22 إبريل/نيسان الجاري، واختار لاتخاذه شهر رمضان المبارك إمعاناً في استفزاز المقدسيين والتقرب من اليمين المتطرف الذي بات بإمكان متطرفيه تناول طعامهم وشرابهم في قلب المسجد الأقصى وفي نهار رمضان بحراسة الشرطة.

 

وتصل الأمور أخيراً إلى محاولات طمس الهوية المقدسية الشعبية والاجتماعية لشهر رمضان المبارك في منطقة باب العامود.

 

ولمن لا يعلم، فإن ساحة باب العمود الخارجية تشهد سنويا في شهر رمضان تجمعات لمختلف فئات المجتمع في مدينة القدس بعد صلاة التراويح، فيما يشبه تظاهرة إجتماعية احتفائية بشهر رمضان في هذه المنطقة الحيوية.

 

لكنها في هذا العام لم تمضِ بشكل سلس كما كانت في السنوات الماضية، فسلطات الاحتلال عمدت منذ بداية هذا الشهر إلى استفزاز المقدسيين في منطقة باب العامود، ومحاولة فض التجمعات المقدسية في المنطقة بشكل يومي، حتى أصبحت المواجهات بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي في هذه المنطقة تشكل ظاهرة يومية.

 

هذا الأمر إن دل على شيء فإنه يدل على محاولة سلطات الاحتلال تثبيت فكرة تفوق الاعتبار اليهودي على الاعتبار الإسلامي في المدينة المقدسة.

 

فإسرائيل لا تريد بأي شكل من الأشكال أن تكون مدينة القدس مدينة إسلامية الطابع أو عربية الصورة، وإنما تريدها مدينة يهودية بالكامل بما يتساوق مع قانون يهودية الدولة الذي أقره الكنيست الإسرائيلي قبل سنتين.

 

ولذلك فإن سلطات الاحتلال تحاول أن تحجِّم الاحتفالات بالشهر الكريم كي تتحول إلى مجرد طقوس وشعائر لا تخرج عن حدود المسجد، وتبقى في أضيق الحالات والصور.

 

ويأتي هنا دور اليمين المتطرف الإسرائيلي، حيث قامت جماعة متطرفة تسمى (لاهافا) أي "الشعلة" بتوزيع فيديو قبل عدة أيام تهدد فيه المقدسيين بالنزول إلى الشارع ومواجهتهم في باب العامود بالتعاون مع شرطة الاحتلال، فيما يشبه الدعوات التي سمعناها قبل سنواتٍ في مصر من الذين اصطلح شعبياً على تسميتهم "البلطجية"، أو "الشبيحة" في سورية.

 

وعلى غرار البلطجية، حاولت هذه الجماعة المتطرفة تخويف الشارع الفلسطيني وفرض نفسها على منطقة باب العامود. وذلك في محاولة لتثبيت واقع جديد عنوانه أن القدس ليست للمقدسيين وأنهم ليسوا أكثر من أجانب يسكنون فقط في دولة إسرائيل، ولا يحق لهم بالتالي التمتع بأية حقوق دينية أو إجتماعية أو ثقافية في المدينة المقدسة التي يسمو فيها الاعتبار اليهودي فوق أي اعتبار آخر (حسب رؤية هذه الجماعات).

 

 

لكن الحراك الشعبي المقدسي والمواجهات العنيفة التي اندلعت في المكان مساء 22 أبريل/نيسان أوقفت هذه الجماعة عند حدها وأفشلت مشروعها وأعادت اعتبار هيبة الشارع المقدسي وقدرته على التعامل مع هذه التهديدات.

 

إن الحل الوحيد في وجه هذه الهجمة المسعورة على القدس في أبرز مواسمها - أي شهر رمضان المبارك - لا بد أن تكون في الردع الجماهيري والتجمع بأعداد كبيرة كما رأينا مساء 22 أبريل/نيسان.

 

فإن نقطة ضعف الاحتلال دائما في القدس هي العدد الذي يتمتع به المقدسيون. وينبغي أن يعلم المقدسيون أن أي تراجع أمام سلطات الاحتلال يعني تقدمها بشكل أكبر، وليس العكس.

 

فاللافت أن هناك نداءات تظهر بين الفينة والأخرى تدعو إلى عدم "استفزاز" السلطات الإسرائيلية، والابتعاد عما يمكن أن تتخذه ذريعة لمهاجمة المقدسيين وقمعهم.

 

ولكن هذا الأمر في الحقيقة غير صحيح لأن سلطات الاحتلال أولاً لا تحتاج إلى ذريعة لكي تضطهد المقدسيين أو تقمعهم، وثانياً لأن أي تنازل وأي تراجع أمام الاحتلال - كما أثبتت الأيام - يعني تقدم سلطات الاحتلال بشكل أكبر وليس تراجعها.

 

إن سلطات الاحتلال تحمل مشروعا واضحاً في القدس يتمثل في تهويد المدينة، فلا الابتعاد عنها ولا التنازل أمامها سيخفف من حركتها تجاه تطبيق هذا المشروع، وإنما بالعكس سيقوم بتسريع تحركها.

 

وهذا ما أثبتته الأيام، وكمثال على ذلك نأخذ التهديدات الإسرائيلية لاقتحام المسجد الأقصى المبارك يوم 28 من رمضان الذي يوافق بالتقويم العبري ما يسمى "يوم القدس".

 

ففي عام 2018 كانت الجماعات المتطرفة قد أعلنت أنها ستقتحم المسجد الأقصى في 28 رمضان، تماما كما يحدث هذا العام، فانطلقت بعض الدعوات لدى بعض الأطراف للتخفيف من الوجود الإسلامي في ذلك اليوم بحيث يبتعد المسلمون فعلياً عن الاصطدام بهذه الجماعات المتطرفة، وبدأت تدعو للرباط في المسجد الأقصى يوم 27 رمضان بدلاً من ذلك، وهو يوم يكون فيه المسلمون أصلاً بالآلاف في المسجد لأنه يأتي بعد ليلة 27 رمضان.

 

 

وكانت النتيجة مؤلمة، حيث اقتحم المتطرفون المسجد الأقصى المبارك بالآلاف، وكسروا بذلك واحداً من أهم الحواجز أمامهم، وهو حاجز إغلاق المسجد الأقصى في وجه الاقتحامات الصهيونية في العشر الأواخر من رمضان.

 

وهذا ما تحاول هذه الجماعات في هذا العام أن تستند إليه في دعواتها، حيث تقول إنها كسرت هذا الحاجز قبل عامين، وبإمكانها أن تكسره مرة أخرى وتقوم باقتحامات نوعية هذا العام داخل المسجد الأقصى تختلف عن ما كان قبل عامين، من حيث إقامة الصلوات اليهودية علناً داخل المسجد الأقصى، وستكون هناك لاحقا مطالبات بالتقدم بخطوات أكثر فيما لو سمح لهم المقدسيون بذلك دون ثمن.

 

لو تنازل المقدسيون أمام هذه الخطوات في باب العامود وفي المسجد الأقصى وفي القدس كلها، فإنها ستصل في مرحلةٍ لاحقةٍ إلى المطالبة بتهويد منطقة باب العامود بالكامل ومنع المسلمين من تعليق الزينة في القدس بمناسبة رمضان، وستنتقل بعد ذلك إلى باب الساهرة فباب الأسباط وهكذا.

 

وأما في الأقصى فستتطور إلى اقتطاع جزء من أرض المسجد لصالح الجماعات المتطرفة، أي بمعنى آخر تقسيم المسجد الأقصى كما حدث في المسجد الإبراهيمي في الخليل.

 

وأي خطوة من هذا القبيل لن تكون النهاية، تماماً كما حدث في المسجد الإبراهيمي في الخليل الذي انتهت به الأمور في عام 2009 بعد تقسيمه إلى إعلانه جزءاً من التراث اليهودي، أي أنه تحول قانوناً وعرفاً عند إسرائيل إلى كنيس يهودي يسمح للمسلمين بالصلاة فيه.

 

نعم، إلى هذه الدرجة تصل الخطورة فيما يحدث في هذه الأيام، وإلى هذه الدرجة تصل خطورة الأحداث وسخونتها في القدس، والثابت في هذا الأمر كله أننا لم نعد في القدس نحسب السنوات لإنجاز مشروع الاحتلال إن بقيت الأمور على حالها، وإنما صرنا نحسب ذلك بالشهور.

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

دلالات مهمة في هبة باب العامود

التالي

القدس لن تترك وحدها.. الشعوب تخرج تضامنا ونصرة للشباب المقدسي

مقالات متعلّقة

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »

علي ابراهيم

لنصنع جيلاً متعلقاً بالقدس و«الأقصى»

الخميس 6 حزيران 2024 - 3:02 م

شكلت الاعتصامات الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، والغرب بشكل عام، ظاهرة جديدة في التضامن مع فلسطين، وانضمام شريحة جديدة للتفاعل مع قضية فلسطين، ورفض العدوان المستمر على القطاع. وفي سياق ال… تتمة »