في ذكرى النكسة: القدس بين مشروع التهويد واستمرار مقاومته

تاريخ الإضافة السبت 5 حزيران 2021 - 6:21 م    عدد الزيارات 2046    التعليقات 0     القسم مقالات

        


براءة درزي

باحثة في مؤسسة القدس الدولية

يزدحم المشهد في القدس بتفاصيل مخططات التهويد التي يعمل الاحتلال على تنفيذها لاستكمال بسط سيطرته على الشطر الشرقي من المدينة وتغيير هويتها العربية والإسلامية وتكريسها عاصمة أبدية له. وترزح القدس اليوم تحت وطأة الاحتلال وسياساته التهويدية، وأدواته في ذلك مصادرة الأراضي، والاستيطان، واستغلال المقدّرات، والاعتداء على المقدّسات، وتضييق الخناق على المقدسيين، وهدم منازلهم وتهجيرهم من أرضهم.

 

وقد عمل الاحتلال في السنوات الأخيرة على تسريع مشروعه التهويدي مستفيدًا من الدعم الذي قدّمه له الرئيس الأمريكي وإدارته في ظلّ تبنٍّ كامل للرواية الإسرائيلية والعمل على تحقيق المصلحة الإسرائيلية. واستفاد كذلك من علاقات الودّ والتعاون التي أقامتها معه عدد من الدول العربية وأفضت إلى توقيع اتفاقات إبراهام التطبيعية التي شملت أربع دول عربية هي الإمارات والبحرين، والسودان والمغرب.

 

عقب احتلال الشطر الشرقي من القدس عام 1967، بدأت دولة الاحتلال عملية تهويد تستكمل بها ما بدأته قبيل عام 1948، وهي لا تزال تمعن في سياسة التهويد وتعزيز وجود المستوطنين في شرق القدس، حيث يقترب عددهم اليوم من 200 ألف مستوطن في ظلّ تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تفيد تمسّكهم بالاستيطان، وكان من آخرها تصريح نفتالي بينت، الذي أسند إليه تأليف الحكومة بعد فشل نتنياهو، إذ قال إنّ حكومته لن تجمّد الاستيطان تحت أيّ ضغط كان.

 

وفي الأشهر الأخيرة، بدأ الاحتلال محاولات حسم ملفات تهجير أحياء كاملة بدءًا من الشيخ جراح شمال البلدة القديمة إلى بطن الهوى في سلوان جنوب الأقصى، وإن كان الاحتلال اضطر إلى تأجيل الحسم نتيجة عدة عوامل، في مقدّمتها حراك الشارع المقدسي، ومعركة سيف القدس.

 

وتترافق سياسة التهجير مع هدم منازل المقدسيين بادعاءات بنائها من دون ترخيص، وقد هدم الاحتلال آلاف المنازل إلى اليوم، ولا تزال الآلاف من منازل المقدسيين مهددة بالمصير ذاته.

 

ومن الأهداف الأساسية للاحتلال قطاع التعليم والعمل الدؤوب على أسرلته واستغلاله لبثّ الرواية الإسرائيلية حول القدس والأقصى، حتى باتت بعض مدارس القدس تتخطى تدريس المنهاج الإسرائيلي إلى عقد لقاءات تطبيعية بين الطلاب الفلسطينيين والإسرائيليين، وتتساوق مع رواية الاحتلال التي تجرّم نضالات الشعب الفلسطيني وتضحياته، وتنكر عليه حقوقه في أرضه والحفاظ على هويته وقوميته، ووسم بعض فصائله بالإرهاب.

 

وفي الأقصى، لا تخفى محاولات التهويد التي يعمل الاحتلال على تنفيذها والتغييرات التي يخرق بها الوضع القائم التاريخي، ورعايته مطالب جماعات الهيكل في مساعيها إلى الصلاة في الأقصى، وهي تنطلق في ذلك من قاعدة مفادها أنّ زيادة الاقتحامات وأعداد المشاركين بها سيحولها إلى أمر واقع وسيفرض على حكومة الاحتلال أن تتعامل مع الأمر بواقعية، وأن تقرّ بالمطالبات التي تنادي بتشريع الصلاة اليهودية في الأقصى رسميًا. ولا يمكن إلا أن نلاحظ أنّ الشرطة أصبحت أكثر تساهلاً مع المقتحمين ومع أدائهم الصلوات التلمودية في المسجد، لا سيما في المنطقة الشرقية منه، وقراءة النصوص التلمودية من الهواتف المحمولة، وغير ذلك من الطقوس اليت يؤديها المستوطنون علنًا وبشكل جماعي، وتوثّقها كاميرات المرابطين، بل وتنشرها صفحات جماعات الهيكل على مواقع التواصل الاجتماعي وتقدّمها كإنجازات تسعى إلى تحقيق المزيد منها.

 

وفي مقابل المساعي إلى تعزيز الوجود اليهودي في الأقصى يعمل الاحتلال على تحجيم الوجود الإسلامي واستنزافه، وكثّف من محاولاته في هذا الإطار بدءًا من عام 2015 مع تصعيد استهداف المرابطين والمرابطات وإصدار قرار باعتبارهما تنظيمين محظورين، ومن ثمّ حظر الحركة الإسلامية الجناح الشمالي لما لها من دور في رفد الرباط في الأقصى. وقرارات الإبعاد باتت بالعشرات، وهي تجدّد قبل انتهاء مدتها، وقد طالت أهل القدس الذين يمنعون من الدخول إلى الأقصى وهم جيرانه، وأهل الداخل طالتهم قرارات الإبعاد وسياسات التضييق التي شملت كذلك شخصيّات اعتباريّة ودينيّة على خلفيّة مواقفها من الأقصى والقدس وتحذيرها من المخطّطات التي تحاك للمسجد.

 

وفي كلّ ذلك، لا يوفر الاحتلال فرصة من دون الاعتداء على الدور الأردني في الأقصى، والعمل على تقويضه. وقد صدرت تصريحات واضحة وصريحة من مسؤولين إسرائيليين تنتقد الوصاية الأردنية على المسجد لأنها تخالف ما يسمونه السيادة الإسرائيلية على المسجد. ومن مظاهر هذه الاعتداءات تهميش عمل دائرة الأوقاف الإسلامية، والتعدي على صلاحيتها في ترميم الأقصى وإعماره بل ومصادرة هذه الصلاحية، يضاف إلى ذك، الاعتداء على موظفي الأوقاف في أثناء وجودهم على رأس عملهم وعند تأدية مهامهم، واعتقالهم بل وإصدار قرارات بإبعادهم عن المسجد ومنعهم من الدخول إليه. وتأتي هذه السياسة مشفوعة بمطالبات من نشطاء الهيكل لإخراج الأوقاف من المسجد وطردهم، وقد وثقوا هذه المطالبات في مقاطع فيديو، لا سيما بعد اتفاقيات التطبيع، التي وصفها توم نيساني، المدير التنفيذي لصندوق تراث جبل الهيكل، بـأنّها "فرصة لتصحيح وضع تمثل في الموافقة الفلسطينية والعربية والإسلامية على تدمير الآثار اليهودية في [الأقصى]، وإنكار الصلاة اليهودية وحرية الحركة لليهود فيه".

 

لكن على الرّغم من كلّ ذلك، وفي مقابل هذا المشهد، لم يتوقّف النضال الفلسطيني، ومحطّات الصمود والمقاومة والثبات في القدس والأقصى عرقلت مشاريع التهويد في كثير من المرّات، ومن تجلياتها في السنوات الأخيرة انتفاضة القدس 2015، وهبة باب الأسباط 2017، وهبة باب الرحمة 2019، وهبة باب العمود2021، وإفشال اقتحام 28 رمضان، إضافة إلى معركة سيف القدس التي أكّدت مركزية القدس والأقصى في معادلة المقاومة. وهي محطات، تنضمّ إلى غيرها ممّا سبقها، وما سيكون بعدها، لتصنع طريق التحرير.  

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

"القدس الشرقية بين الاندماج وأعمال الشغب" ؟!

التالي

هل انتصرنا في القدس ؟

مقالات متعلّقة

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »

علي ابراهيم

لنصنع جيلاً متعلقاً بالقدس و«الأقصى»

الخميس 6 حزيران 2024 - 3:02 م

شكلت الاعتصامات الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، والغرب بشكل عام، ظاهرة جديدة في التضامن مع فلسطين، وانضمام شريحة جديدة للتفاعل مع قضية فلسطين، ورفض العدوان المستمر على القطاع. وفي سياق ال… تتمة »